من أجل إيقاف مسرحية انتخابات الهازئ من أرواح الشعب

TT

رغم استهجان المجتمع الدولي للمهزلة الانتخابية التي ابتدعها نظام الأسد، ورفض كثير من الدول أن تكون شاهد زور على التصويت الخُلَّبي على أراضيها، بدأ بشار الأسد فصول مسرحيته الانتخابية بنشر صوره وهو يبتسم ابتسامة الهازئ من أرواح الشعب ودمائه التي أريقت. وانطلقت المظاهر الانتخابية المعتادة، وخصوصا في دمشق والمدن الساحلية التي لا تزال تحت سيطرته، من دبكات ورقصات ومسيرات وخيم تجمعات.. هذه المظاهر التي لا تليق بتضحيات شعب قدم حتى الآن أكثر من 200 ألف شهيد في سبيل التخلص من هذا النظام القاتل، والحصول على حريته وكرامته، شعب بدأت تنزح عائلة منه كل دقيقة (حسب أرقام أممية) ليصل عدد النازحين في الداخل إلى تسعة ملايين سوري واللاجئين في الخارج إلى 3.5 مليون سوري. ولأول مرة في تاريخ البشرية، يتضمن البرنامج الانتخابي لمرشح رئاسي الاستمرار في القتل والتدمير وحرق البلد وتهجير أهلها، وسوق الشباب إلى معركة لا غالب فيها إلا الموت في سبيل الحفاظ على وجود شخص في الحكم قضى فيه حتى الآن 14 عاما. كما أنه ولأول مرة في التاريخ يطلق أحد المرشحين الرئاسيين المنافسين «المفترضين» (وهو حسان النوري) برنامجا انتخابيا يؤيد ويساند الحملة العسكرية التي يشنها المرشح بشار على الشعب السوري منذ ثلاث سنوات، مستخدما أعتى أنواع الأسلحة من مدفعية وراجمات صواريخ وقنابل عنقودية وبراميل متفجرة وصولا إلى السلاح الكيماوي. وكسابقة في سوريا منذ أكثر من أربعين عاما، يظهر على محطة التلفزيون السوري مرشح «محتمل» لانتخابات رئاسية - في تقليد فاشل لبرامج المناظرات الغربية - وتسأله المذيعة أسئلة محرجة، في حين يعلم الجميع أن هذا المرشح المغمور (ماهر الحجار) ليس سوى طاحونة هواء اختلقها نظام الأسد ليقاتل من خلالها من يشكك في الانتخابات وشرعيتها. الغريب أن داعمي هذا النظام السفاح في انتخاباته العبثية يتناسون أنه جاء إلى الحكم بشكل غير شرعي أصلا، في تمثيلية جرت في مجلس الشعب عدلت الدستور السوري في دقائق، فانتقل الحكم بشكل وراثي - رغم أن الحكم جمهوري - من أب فاسد وقاتل ومنافق إلى ابن شاب أكثر فسادا ودموية، ولم تنفع اعتراضات أحد أعضاء المجلس يومها على طريقة قدومه للحكم في لفت الأنظار، حيث سحب هذا العضو إلى خارج البرلمان وعاد بعدها ليعبر بشكل مختلف عن وجهة نظره.. ولم تنفع محاولات المعارضين والمثقفين في وقتها لوقف هذه المسرحية - حين أطلقوا وثيقة ربيع دمشق - وبعد عشر سنوات قضاها هذا الطفل المدلل في إيهام الشعب السوري بنياته المفترضة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي، بدأ الشعب يتذمر من فساده وكذبه، ومن قمعه المستمر وسياسة تكميم الأفواه، مستخدما جيشه الأمني الذي تربى على يد حافظ الأب، والذي لم يتوان عن ممارسة التهديد والترهيب والرمي في غياهب السجون.. وراحت المظاهرات السلمية التي خرجت في كل المدن السورية تعبر عن رغبتها في رحيل نظام الأسد، مظاهرات قابلها النظام أولا بإطلاق النار وبعدها بأقوى أنواع الأسلحة في ظل صمت دولي مقيت.. ليُجبر المتظاهرون فيما بعد على رفع السلاح في وجه القاتل..

ولإنجاز مسرحية الانتخابات الرئاسية، التي دعمها نظام الملالي وروسيا وحزب الله الإرهابي، استمر النظام السفاح في ترهيب المدنيين، الذين انقادوا إلى صناديق الاقتراع خوفا من استدعائهم إلى أفرع الأمن والتنكيل بهم، ذهبوا مثقلين بآلام الأمهات الثكالى وصور عيون الأطفال التائهة في المنافي التي شهدت جميع أنواع القصف، وفقد معظمهم أهاليهم وأصدقاءهم.. مثقلين بصور المعتقلين الذين قضوا في أقبية النظام بعد تجويعهم وتعذيبهم حتى الموت.. لا لشيء إلا لأن يستمر الأسد في الحكم ما يذكرنا بحكام كسرى الديكتاتوريين الذين كان يجب على الأب الذي قتل كسرى ابنه أمامه رميا بالسهم يوم تسليته وعبثه.. كان عليه أن يشكر كسرى على هذه المنة ويقدم طقوس التمجيد والامتنان لقاتل ابنه، هذا النظام الذي كان من المفترض أن يحول ملفه إلى محكمة الجنايات الدولية منذ فترة لولا تدخل الفيتو الروسي مرات عدة. كما أن هذا الناخب «المجبر» سيشهد مستقبلا استمرار تدمير بلده سوريا وتجزئته وتغيير ديموغرافيته، وإفساح المجال للميليشيا الطائفية الإرهابية كحزب الله (حالش) والميليشيا العراقية كي تعيث فسادا أكثر في أنحاء سوريا، فتقتل وتستبيح الأعراض وتستوطن بدل السوريين.

بالمقابل.. لم يلق السوريون - مهجرين ومعتقلين ومدنيين مجبرين على الانتخاب - من المجتمع الدولي سوى الشجب والإدانة والاستنكار.. وفي أحسن الحالات منع الأسد من إجراء انتخاباته الهزلية على أراضيهم لأنها غير ديمقراطية.. وكأن الأمر لا يظهر أكثر من رفع عتب أمام شعوبهم المؤمنة بالديمقراطية.. وهل سيوقف هذا الأسد عن قتل الشعب السوري؟ هل سيوقف الاعتقال والتصفية في المعتقلات؟ هل سيوقف البراميل والدبابات والصواريخ؟ هل ستوقف مأساة أو تنتصر لثورة قامت لأجل الإنسان وحريته وحقوقه؟

دعم سياسي حقيقي.. ومواقف عميقة بقدر الجريمة الأسدية.. وبقدر ثورة الشعب السوري هي حقا ما تحتاجه هذه الثورة اليتيمة.. ثلاثة أعوام انصرمت والتصريحات الدولية تفيد بأن لا شرعية لبقاء الأسد في سوريا.. بينما ما زال ممثله يشغل مقعد سوريا في الأمم المتحدة.. وما زالت ثورة سوريا يتيمة لم تنل أكثر من تصريحات صحافية ومواقف سياسية.. وصمت مطبق عما يجري في تلك البقعة من الأرض التي تسمى سوريا.

* عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري