دوائر القلق الوطني

TT

عندما أعادت «إس بي سي نيوز» دوايت أيزنهاور إلى نورماندي في الذكرى العشرين لساعة الصفر لعمليات إنزال في عام 1964، ربما كنت تتوقع أن يختتم القائد السابق لقوات التحالف بتعليق عن الانتصار. ولكن بدلا من ذلك، التقطت «سي بي إس» أيزنهاور المهموم أمام خلفية من شواهد القبور في المقبرة الأميركية في سان لورنت، وهو يفكر: «يجب أن نجد طريقا ما... لتحقيق سلام أبدي في هذا العالم».

يقدم حلول الذكرى السبعين لعمليات إنزال نورماندي هذا الأسبوع لحظة للتفكير في سمات القوة والضعف الأميركية، والطريقة التي نخلط فيها بينهما في بعض الأحيان. ربما كان أيزنهاور أعظم قائد عسكري حديث لدينا. ولكنه كان حذرا وأحيانا متضاربا، من دون أي من صخب جورج باتون ودوغلاس ماكارثر. كانت موهبته تكمن في التنسيق بين مهارات مرؤوسيه المشاكسين - والمثابرة وسط تخبط الجيش الأميركي الذي لم يتوقف تقريبا في أثناء الاستعداد لعمليات إنزال نورماندي.

من المحتمل أن تكون هذه نتيجة لكون الولايات المتحدة دولة فتية نسبيا كان عليها ترويض جبهة شرسة، ولكن خلال تاريخنا الحديث، يميل الأميركيون إلى القلق حول ما إذا كان قادتنا يملكون «صرامة كافية» أمام تحديات العالم. كثيرا ما يتعرض الرؤساء الذين يتحدثون عن أملهم في السلام، كما فعل أيزنهاور أحيانا، لهجوم من المعلقين لإفراطهم في «اللين».

كنا مؤخرا في واحدة من تلك الدوائر الخاصة بالقلق القومي، إذ هاجم النقاد الرئيس أوباما بسبب ما يسمى بسياسته الخارجية غير الفعالة والضعيفة الإرادة. تضمنت تفاصيل تلك الحجة ضد أوباما تردده في استخدام القوة العسكرية بعد الحربين المخيبتين للآمال في العراق وأفغانستان. وطرحت مجلة «الإيكونوميست» سؤالا أساسيا عن مصداقية أوباما، حيث نشرت عنوانا رئيسيا على صفحة الغلاف بتاريخ 3 مايو (أيار): «ما الذي ستحارب من أجله أميركا؟».

أوافق على أن سياسة أوباما الخارجية لم تتسم كما ينبغي بالصرامة المطلوبة، لا سيما في تعامله مع سوريا وروسيا. ونتيجة لذلك، تعاني الولايات المتحدة من بعض الأضرار التي لحقت بسمعتها. بيد أنني بعد أن استمعت إلى الجدل الأخير، فاجأتني الأفكار الدائرية المتكررة، في مقابل التفاصيل المتعلقة بأوباما. نعم، ربما يكون هذا الرئيس مفرطا في الاحتراس، ولكن التراجع من أجل التعافي أمر طبيعي تماما بعد الحروب - ونادرا ما يلحق ضررا دائما.

تأتي خلاصة وافية عن القلق بشأن الضعف الأميركي في كتاب بعنوان «التعامل مع العالم»، الذي يتحدث عن كاتبي المقالات جوزيف وستيوارت ألسوب، من تأليف روبرت ميري. يوضح الكاتب أنه تقريبا في كل مرحلة من نهاية الثلاثينات إلى نهاية الستينات، كان الأخوان ألسوب (وخاصة جو، صاحب الصوت السائد) يحذران من أنه إذا كان قادة أميركا ضعفاء ومترددين، فسوف يفتحون الباب أمام أعدائنا - في أوروبا والصين وكوريا وفيتنام. في بعض الأحيان كان نواحهم تثبت صحته، ولكن في الغالب كانوا على خطأ تام.

كانت شكوك الأخوين ألسوب في أيزنهاور تحديدا كبيرة. وكانا يخشيان أن رغبته في إحلال السلام في كوريا سوف يفسح الطريق أمام العدوان الروسي والصيني. كتب جو في عام 1954: «إن مستقبل آسيا قد يكون معرضا للخطر» في الحفاظ على النفوذ الفرنسي في فيتنام. كذلك كتب ستيوارت في عام 1955. قد يتسبب الانسحاب الفرنسي من الجزائر «في إضعاف مميت للتحالف الغربي». وكتب جو بأن تحالف الأطلسي سوف «ينهار» لو هُزم البريطانيون في السويس عام 1956.

وكانت أنظمة الدفاع الأميركية ستُدمر إذا اقتطع أيزنهاور خمسة مليارات دولار من ميزانية الدفاع البالغة 40 مليار دولار عام 1955، وهكذا استمر الحال.

وصلت مخاوف الأخوين ألسوب بشأن أيزنهاور إلى ذروتها أثناء الخلاف حول ما يسمى بـ«فجوة صواريخ» بين القوات الاستراتيجية الأميركية والسوفياتية.

وفي مقال نشر عام 1958، اتهم جو أيزنهاور بأنه «تلقى معلومات خاطئة» أو أنه «يضلل البلاد عن علم» بشأن التأخر الأميركي «الرخو». ودفع جو السيناتور جون كيندي في ذلك الوقت إلى إلقاء خطاب في عام 1958 عن «الخطورة» التي تمثلها تلك الفجوة المتصورة.

علم أيك من تقارير استخباراتية أن الفجوة لم تكن موجودة، ولكنه خشي الإفصاح عن مصادره، لذلك ترك القلقين في حديثهم العنيف. وعندما أصبح كيندي رئيسا، اطّلع وزير دفاعه روبرت ماكنامارا أخيرا على التقارير الاستخباراتية، وأعلن أن الفجوة كانت خرافة. وكان من جو أنه احتج في البداية قائلا إن ماكنامارا تعرض «لخداع من البيروقراطية».

بعد ذلك جاءت حرب فيتنام، التي دونها جو وجعل منها بطولة - حيث رأى فيها اختبارا أساسيا لقوة الإرادة الأميركية. وتوقع أن يبدي ليندون جونسون «ضعفا رئاسيا» وكان يثني على كل تصعيد يظهر أن جونسون لن «يهبط درجات إلى الاستسلام». وأخيرا انسحبت أميركا من فيتنام، لكن على مدار الوقت ظلت القوة العالمية الأميركية أكبر من ذي قبل.

يصيب القلقون في أمر واحد فقط مهم، وهو أن أميركا القوية التي تتجه إلى الأمام ضرورية من أجل الاستقرار العالمي. ولكن غالبا ما يكون الكثير من الانتقادات العنيفة لما يسمى بضعف أو تراجع القوة الأميركية خاطئا.

* خدمة «واشنطن بوست»