ما الطريق إلى الجنة؟

TT

تشبه الأجواء السياسية والاجتماعية في إيران قليلا مثلث برمودا! وعلى الرغم من أن مثلث برمودا هو نظرية وهمية، فالأحداث الغريبة التي تحدث في إيران كلها حقيقية! على سبيل المثال، نُشر أخيرا شريط فيديو سري لرئيس أركان الحرس الثوري وهو يقول بشكل صريح، إن الحرس الثوري، والباسيج (قوات التعبئة الشعبية)، وقوات الأمن، غيّرت نتائج الانتخابات الرئاسية في 2009، معللا ذلك بأن انتصار الإصلاحيين كان ضد استراتيجية النظام في إيران؛ عندما يذكرون النظام فإنهم يقصدون بشكل غير مباشر القيادة.

ويبرهن الفيديو المنسوب للعقيد جعفري بقوة على تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية في عام 2009 بانقلاب عسكري.

وتأتي مناقشة غريبة عن الطريق إلى الجنة أو الطريق إلى النار، في المرتبة الثانية في خضم الأجواء السياسية والاجتماعية في إيران. فمن الذي يمهد طريقا إلى الجنة، ومن الذي يمهد آخر إلى النار؟ وبعبارة أخرى، من الذي بيده مفتاح الجنة؟ أثار رئيس إيران حسن روحاني النقاش قائلا: «هناك بعض الناس في بلادنا لا يعرفون شيئا عن الدين، ثم يزعمون في اليوم التالي أنهم يشعرون بالقلق إزاء معتقدات الناس.. ليس بمقدورنا أن نأخذ الناس إلى الجنة بالقوة وبالسوط. لا ينبغي لنا أن نتدخل في حياة الناس إلى هذا الحد، حتى ولو بدافع الشفقة. دعوهم يختاروا طريقهم إلى الجنة».

كانت تلك التصريحات بمثابة بداية لجدل كبير، ذلك أن روحاني استهدف قلب المتشددين، الذين يعتقدون أن من واجبهم المقدس والتاريخي إرشاد الناس إلى الجنة. على سبيل المثال، رد عليه على الفور إمام صلاة الجمعة بمدينة مشهد، آية الله علم الهدى، قائلا: «مرحبا سيدي الرئيس، إذا لم يكن من مسؤوليتنا إرشاد الناس إلى الجنة، فلماذا قمنا بثورة إسلامية؟ إننا لا نريد أن نأخذ الناس إلى الجنة بالسوط، ولكننا نريد أن نحول بينهم وبين النار باستخدام السوط!».

يظهر هذا التصريح قيمة وقوة المنطق في حجة علم الهدى.

وتعالى صوت ثان من مدينة «قم»، العاصمة الدينية لإيران، حيث قال آية الله مصباح: «يقول لنا من يرتدي عمامة، ومن تقع عليه مسؤولية كبيرة: نحن لا نود أن نأخذ الناس إلى الجنة بالسوط. ويقول إننا نعيش في حالة من الوهم والكآبة. أنا أسأله أين أتممت دراساتك الدينية، في معهد ديني بمدينة قم أم في إنجلترا؟!».

وكان آية الله مصباح قد صرح منذ شهر مضى بأن جميع المشكلات والأزمات في إيران تنشأ بسبب الذين درسوا في إنجلترا!

وفي واقع الأمر، تكشف هذه المواجهة الجديدة عن جذور المشكلة الحالية في إيران.

يظن المتشددون، بمن فيهم آية الله مصباح، والحرس الثوري، أنهم يعرفون صالح هذا الشعب أكثر من الناس أنفسهم. إنهم يحبون الأطفال أكثر من والديهم، ويعتقدون أنهم يعرفون الطريق إلى الجنة، وأن مفتاح الجنة بأيديهم.

وعلى الناحية الأخرى، أخذ روحاني والرئيسان السابقان خاتمي وهاشمي رفسنجاني يؤكدون في المقام الأول التسامح والرحمة، ويؤكدون الوجه السمح للإسلام.

أعتقد أننا فقدنا السعادة وجوهر الحياة في بلادنا إثر هذا التفسير الغريب للإسلام، حيث أقام المتشددون جحيما على الأرض. جاء في إحدى القصائد العميقة لشفعي كدکني أحد أكثر شعراء إيران شهرة:

«طفلة صغيرة اسمها السعادة

عيناها مشرقتان وشعرها طويل

بحجم أمنياتنا إنها مفقودة

من يعرف أراضيها يخبرنا

عنواننا:

إلى جانبنا الخليج ...

وإلى الجانب الآخر بحر قزوين!».

ويقول نبينا: «بعثت على الشريعة السمحة السهلة»، وجاء في القرآن الكريم: «لا إكراه في الدين»، «إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا».

إن كنوزنا الإسلامية، الممثلة في القرآن الكريم وأحاديث النبي، مليئة بالتسامح والاحترام للآخرين. بيد أننا، في الوقت الحاضر، نواجه رجال دين دخلاء، يعتقدون أنهم ممثلون عن الله في الأرض، وبقية الناس مثل الأغنام، يحتاجون إلى اقتيادهم إلى أفضل المراعي. ويعتبر موقفنا إزاءهم أكثر صعوبة من موقف المسيحيين في عصور القرون الوسطى، عندما كان القسيس يتمتع بسلطات هائلة على المستوى المحلي نيابة عن الكنيسة الكاثوليكية. وكان السكان المحليون ينظرون إلى القساوسة المحليين باعتبارهم «جواز سفر» إلى الجنة، ذلك لأنهم لم يعرفوا أي شيء مخالف لذلك، وكان ذلك يدرس لهم منذ ولادتهم. وكانت تلك الرسالة تلقى باستمرار على الجهلة من الناس في كل قداس كنسي. وبالتالي، كان يتوقف الذهاب إلى الجنة على إبقاء قسيسك سعيدا.

وكان «فساد» الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في قلب الهجوم الذي شنه مارتن لوثر عليها في عام 1517 عندما كتب «القضايا الخمس والتسعون»، مما أدى إلى اشتعال شرارة الإصلاح الألماني.

أعتقد أننا نواجه نفس الفساد في البلاد الإسلامية، أو في المعاهد الإسلامية. لقد قتلوا الحب، وفرضوا الكراهية، وأطفأوا البسمة على شفاه الناس، ولا سيما الشباب.

قبل أكثر من 20 عاما، عقدت محادثة مع متشدد شهير من آيات الله. وسألته: هل تؤمن بأن السبب الرئيسي لارتكاب الخطيئة وتضليل الناس هو الشيطان؟ فهز رأسه في إشارة على موافقته. فواصلت سؤالي، إذا كنت أنت الإله، ماذا ستفعل مع الشيطان؟ هل ستقتله، أو ستتركه يُضل الناس؟ فلم يجب، ولا أظن أن أي آية من آيات الله يمكنه أن يجيب عن هذا السؤال!

يوحي ذلك بأن هذا العالم مليء بالمحاولات والأخطاء. وأولئك الذين حاولوا صنع جنة في هذا العالم انتهى بهم الأمر بصنع جحيم.

إبان الثورة الفرنسية، حاول روبسبير تبرير عهد الإرهاب. ففي ظل حكومته التي نشرت الخوف والرعب، قطع رأس أكثر من 40 ألف شخص في عشرة أشهر.. «إذا لم تكن هناك إمكانية لإنشاء جمهورية المواطنين الأحرار، فمن المؤكد أن السبب وراء ذلك هو أن بعض الأفراد الذين يحملون تاريخا مليئا بالفساد، لم يتطهروا بما فيه الكفاية. لقد أصبح الإرهاب الوسيلة التي ستصنع بها الثورة، ذلك التاريخ الذي سوف ينشئ بشرا جددا في المستقبل».

وربما أن هناك من هم من رجال الدين الذين يودعون مفاتيح الجنة جيوبهم أرادوا خلق عالم جديد بأناس آخرين، أو بالأحرى يريدون التدخل في خلق الله للإنسان!