الأصابع التايلندية..

TT

هاهم المحتجون التايلنديون يضيفون إسهاما رمزيا في عالم التظاهر والاعتراض الجماعي.. وها نحن نتابع سيل الصور والأخبار التي تظهر نساء ورجالا وشبانا وشابات من مختلف الخلفيات يتظاهرون شاهرين شارة الأصابع الثلاث الوسطى مرفوعة إلى الأعلى.

إنها رمزية أراد بها المحتجون التايلنديون إعلان رفضهم للانقلاب العسكري ولسيطرة الجيش على البلد وما بدأ يمارسه من إجراءات تعسفية منذ الشهر الماضي، فبدأوا استعمال هذه الإشارة مستوحين إياها من الفيلم المعروف «Hunger Games». وهنا يستعيض المحتجون عن مساحات التعبير المغيبة بعد إقفال وسائل الإعلام الذي فرضه الجيش باستعمال شارة الأصابع الثلاث لإظهار التململ ورفض التسلط.

إحدى المحتجات التايلنديات غردت على «تويتر» قائلة: «أخذنا وسيلة احتجاجنا من الفيلم لكن صراعنا حقيقي وليس متخيلا». وحكاية الأصابع الثلاث كما يرويها الفيلم استوحاها المؤلفون من شعارات الثورة الفرنسية: حرية، عدالة، أخوة. ويبدو أن الاقتباس الشعبي لهذه اللقطة السينمائية لاقى تجاوبا ساحقا وأخذ بالانتشار على نحو واسع إلى حد أنه قد يهدد من يقدم عليه بالاعتقال والتوقيف..

والمساهمة التايلندية في قواميس الاحتجاج بإشارات محددة باليد أو بالأصابع تأتي ضمن سلسلة مماثلة شهدتها حركات الاحتجاج حول العالم، فها نحن نلمس كم أن تعابير اليد وإشارات الأصابع باتت وسيلة رمزية فعالة تمثل انخراطا جماعيا في شعار أو مبدأ أو حالة رفض ما وهو ما بات يثير حفيظة وغضب السلطات التي تبدي ضيقا وتشرع في ملاحقة رافعي تلك الإشارات. وحركات الاحتجاج هي بالأساس فعل جسدي جماعي يستخدم التعابير والإشارات لتعزيز وترميز المعنى المعبر عنه. ورغم دخول رمزيات كثيرة على عالم التظاهر الشعبي يبقى الشعار الأبرز هو ذاك الذي رفعه رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية حين سعى إلى بث مشاعر النصر في الجموع فخاطبهم رافعا إحدى يديه بعد أن بسط فقط إصبعيه السبابة والوسطى مُشكلا بهما الحرف الأول من كلمة النصر (victory) وهو حرف «v». فمنذ ذلك التاريخ انتشرت تلك العلامة انتشارا كبيرا، ورغم مرور 73 عاما وتعدد الإشارات التعبيرية تبقى شارة النصر هذه العلامة الأبرز التي يندر أن خلت حركة احتجاج منها. وهي وصلت إلى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات فحولها شارة شعبية فلسطينية.. قبضة اليد مثلا رمز آخر اتخذته حركات معارضة من حول العالم وهو شاع عام 2000 في صربيا حين تمت الإطاحة بسلوبودان ميلوسيفيتش ولاحقا بعدة احتجاجات في أوكرانيا وإيران ودول عديدة، ثم وصلت إلى العالم العربي مع انطلاق الثورات عام 2011 حيث شهدت الاحتجاجات العربية رفع العديد من شعارات اليد والأصابع.. لكن هل تكفي إشارات اليد والأصابع للتعبير السياسي في الشوارع والميادين.. صحيح أن تلك الوسائل تهدف إلى اختصار معنى كبير ومهم في رمز معين، لكن المشكلة هي أن تتحول اعتراضاتنا إلى مجرد رموز لا تجد سبيلا لترجمة فعلية لها وهذا أمر يحدث حين تضيق مساحات التعبير والاعتراض فيجري اعتماد الرمز..

ولكن، ليس المحتجون التايلنديون وحدهم من تربك السلطات أيديهم وأصابعهم..

diana@ asharqalawsat.com