قرار غير منطقي بسحب القوات الأميركية من أفغانستان

TT

عندما قرر الرئيس باراك أوباما إبقاء ما يقرب من عشرة آلاف جندي أميركي في أفغانستان إلى ما بعد عام 2014 إلى أن يجري سحبهم جميعا بنهاية عام 2016 - اتخذ قرارا موفقا في الشق الأول، بيد أنه ألغى هذا التوفيق في الجزء الثاني من القرار.

تعاني الولايات المتحدة تحديات تحيق بسياستها الخارجية، ابتداء من أوكرانيا، ومرورا بسوريا. ربما تكون أفغانستان المكان المناسب لتحقيق نجاح على أرض الواقع، حيث يمكننا أن نقلب وجهة النظر العالمية السائدة عن ضعف الولايات المتحدة. ولكن هذا يتطلب الالتزام بوجود قوات محدودة لإنجاز المهمات، ليس فقط الوفاء بجدول زمني.

كان قرار الرئيس أوباما بإبقاء مستوى القوات كما هو موضع ترحيب، وإن طال أمد بقائها، إذ إن القرار لا يؤثر في مصير أفغانستان فحسب، بل يلقي أيضا بظلاله على استقرار محور أفغانستان وباكستان والهند بأكمله، بالإضافة إلى تأثيره على رؤية حلف شمال الأطلسي لدوره العالمي مستقبلا.

إننا نؤمن بشدة بالحاجة إلى الإبقاء على قوة تابعة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، للمساعدة في تدريب وتقديم العون للجيش الوطني الأفغاني في عملياته ضد الإرهاب في المقام الأول، ولفك الغموض الذي يكتنف مستقبل حلف الناتو في المنطقة، بالإضافة إلى ترسيخ اليقين النفسي لدى الأفغان. ولكن قبل تحديد كم من الوقت يمكن أن تبقى تلك القوة - مما يقسم بنود القرار إلى أجزاء متناقضة - هناك عاملان آخران يجب أخذهما في الاعتبار.

العامل الأول هو تصور أن الولايات المتحدة تفتقد الحسم في الوقوف أمام التحديات التي يواجهها النظام الدولي، وهذا ربما لا يكون منصفا؛ ففي مانيلا، دافع الرئيس أوباما بحماس عن سياساته الأمنية. ومع ذلك، يزداد في مخيلة الحلفاء والخصوم الانطباع بالضعف بشكل أكبر مما هو عليه في واقع الأمر. وهذا الموقف تطور إلى الدرجة التي وصل إليها اعتقاد أن التدخل الأميركي هو الحل الوحيد.

وتقدم أفغانستان الموقع والمهمة المناسبين لمثل هذا التدخل. وقد يواجه الإبقاء على قوة مؤلفة من نحو عشرة آلاف جندي أميركي مع الحجج التي تقول بأن الإدارة، كلما أتيح لها الخيار، تختار سحب القوات - أو عدم إرسالها. ومن ثم، فإن تحديد قوة، لا تقوم بعمليات برية ذات أهمية في حد ذاتها، سيكون في صالح الأهداف المتعددة الأميركية والغربية والأفغانية. وفي أفغانستان، ستعزز من الزخم الذي بدا خلال الانتخابات التي أجريت في البلاد وأظهرت مقاومة شعبية قوية لحركة طالبان وتقدما كبيرا أحرزه الجيش. لدينا بالفعل الكثير من الركائز التي يمكننا البناء عليها، ولكن تظل وظائف دعم الجيش الأفغاني بدائية، مما يؤكد أن مساعدة الولايات المتحدة أمر ضروري لاستمرار قتال الجيش.

أما النصف الآخر من القرار، الذي يقضي بـ: «خفض القوات الأميركية إلى النصف خلال سنة وسحبها في سنتين»، فهو شق غير منطقي. نحن بذلك نلزم الناس بمهمة قد تكلفهم حياتهم، التي من المفترض أن تكون ذات أهمية كبرى بالنسبة لنا، في حين أننا أعلنا أنه في غضون أقل من ثلاث سنوات لن يستمر أي شيء من هذا. أولا، هذا من شأنه أن يقوض التأثير العالمي المأمول من قرار «بقاء القوات» عن طريق بث إشارات توحي بالمماطلة وليس الإقدام. ثانيا، تكرر الخطة في أفغانستان النموذج العراقي بشكل صريح، وذلك بوضع أدوات التدريب والتجهيز ومكافحة الإرهاب داخل مقر سفارة ومكتب للتعاون العسكري. وهذا طريق نحو الفشل.

وعندما حاولنا أن نقوم بذلك في العراق عام 2011 قوضت العقبات البيروقراطية، بداية من المسائل القانونية المتعلقة بالحصانات التي تشمل الدبلوماسيين والجنود، وانتهاء بمعارك الميزانية والسلطات فيما بين الوكالات الأميركية المختلفة ومؤيديهم في الكونغرس. ونظر العراقيون إلى الجهد المبذول باعتباره غير ملائم وكانوا مترددين في السماح «بتدخل» أميركي للمراقبة وتقديم المشورة من خلال منشأة دبلوماسية بدلا من شراكة عسكرية.

وكان الأسوأ من ذلك أن واشنطن فقدت التركيز في ظل عدم وجود قوة «في خطر» وقائد لتعبئة البنتاغون واهتمام مشترك بين الوكالات، مما ضاعف من المشكلات البيروقراطية وأخرى تخص الدولة المضيفة. واليوم في العراق، نحاول مرة أخرى أن نتعامل مع تزايد وجود تنظيم القاعدة من خلال تعزيز نموذج السفارة. أما في أفغانستان، من دون وجود عسكري بقيادة الولايات المتحدة، قد يزيد فقدان التركيز البيروقراطي من صعوبة الحصول على تمويل للجيش الأفغاني وللتنمية المدنية، كما أن أفغانستان تفتقر إلى أموال النفط لتعويض هذه النفقات على عكس العراق.

إذن، فمن المرجح أن تفشل أي ترتيبات بديلة في أفغانستان، بالنظر إلى أن تلك الترتيبات لا تزال عرضة للفشل في العراق. إن استطعنا القول إن البيت الأبيض «أنهى تماما حربين بحلول نهاية عام 2016» (أيا كانت نتيجة ما تمخضت عنه الفترة الانتقالية)، فسوف نخاطر بتقويض جهد استمر أكثر من عقد من الزمان وبتعميق الشكوك الدولية التي تثار حول استمرار قوة إدارة أوباما. إن الخروج من المأزق سهل: عن طريق تغيير الموعد النهائي المقرر في عام 2016 إلى الوقت الذي «يتحقق فيه الهدف من المهمة التي من أجلها خاطرت هذه القوات بأرواحها».

* خدمة «واشنطن بوست»

* جيمس فرانكلين جيفري سفير الولايات المتحدة لدى العراق في الفترة ما بين 2010 - 2012 ونائب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وهو حاليا زميل زائر في زمالة «فيليب سولونتز» بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

* رونالد نيومان، كان سفيرا لدى أفغانستان في الفترة من 2005 - 2007، ويشغل الآن منصب رئيس الأكاديمية الأميركية للدبلوماسية.