تركيا والأكراد.. غموض في عملية السلام

TT

بدأت الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس بوش في تنفيذ خطة «إسرائيل جديدة»، أو بعبارة أخرى «صديق جديد» في منطقة الشرق الأوسط التي تتزايد بها حدة التوترات. وكانت هذه الخطة قديمة في الواقع ولكن الظروف لم تكن تستدعي تنفيذها قبل ذلك. عندما أطاحت ثورة عام 1979 على نحو مفاجئ بالصديقة إيران من المعادلة، ولم يكن في وسع العراق الواقع في الاضطرابات أن يقوم بدوره السابق كحليف، كما أن تركيا الضعيفة في ذلك الوقت كانت تعاني من مشكلاتها المحلية، ولهذا احتاجت أميركا إلى حليف آخر في منطقة رئيسية من الشرق الأوسط، وكان الأكراد هم المرشحين الأوفر حظا.

ويتوزع الوجود العرقي للأكراد بصورة رئيسية على أربع دول؛ إيران، والعراق، وسوريا، وتركيا. كانت المرحلة الأولى من تحقيق حلم «كردستان» قد بدأت عندما أعلن الأكراد إقامة حكم ذاتي في العراق، وعلى الرغم من أن العراق دفع ثمنا جراء هذا الانقسام، فإن إدارة محافظة أربيل، التي كانت تتحدث عن إجراء استفتاء على الاستقلال وبالتالي حيازة النفط العراقي، مسرورة بهذا الوضع. في الأراضي السورية المدمرة، أعلن مؤخرا «حزب الاتحاد الديمقراطي» إقامة حكم ذاتي في الإقليم الكردي. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو وكأن المرحلة الثانية من الخطة الأميركية تحققت، فلم يكن هذا هو المهم في الواقع، حيث كانت قوات «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وقوات الأسد و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) يُعمِلون القتل بطريقة ممنهجة ضد الشعب الكردي في البلاد. وكان «حزب الاتحاد الديمقراطي» ذو التوجهات اللينينية يؤيد نظام الأسد البعثي، ولم يكن من المحبذ للولايات المتحدة أن يقام إقليم كردي يتمتع بحكم ذاتي تحت سيطرة يساريين مؤيدين للأسد.

على جانب آخر، لا يتسم «حزب الحياة الحرة الكردستاني» (بيجاك)، وهو جزء من «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، و«حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا، بالفاعلية تماما في إيران، إذ ليس في مقدوره ردع النظام الإيراني بالإرهاب أو بالتأثير على الشعب الإيراني. أعلن «بيجاك» مؤخرا عن إنشاء تنظيم جديد يحمل اسم منظومة المجتمع الديمقراطي والحر لشرق كردستان (كودار) من أجل إيجاد حل لمشكلات البلاد عبر الحوار. ومصدر الإلهام هو مناخ «الحوار» السائد في تركيا.

دعونا ننتقل إلى تركيا..

بدأ مناخ «الحوار» عبر إجراء مفاوضات بين وكالة الاستخبارات التركية، وزعيم حزب العمال الكردستاني القابع في السجن في تركيا. وبعد مُضي سنة ونصف، توقف الإرهاب في البلاد. ثم بدأت إعادة بناء منطقة جنوب شرقي تركيا. وبدا أن كل شيء جرى إصلاحه، بيد أن البلاد كانت منقسمة بين كل من أولئك الذين أيدوا عملية السلام، ومن اعتقدوا بأنهم قد يحققون هدفهم من تقسيم تركيا باستخدام عملية السلام التي أطلقها حزب العمال كذريعة.

يستطيع أي شخص ينظر إلى الأمور بموضوعية أن يرى أن الخيار الثاني أكثر واقعية.

وبعد حصول حزب موالٍ لحزب العمال الكردستاني على عدد من المقاعد بالمجالس البلدية في منطقة جنوب شرقي تركيا في بداية الانتخابات المحلية، أُعيدت الانتخابات في عدد من المناطق المشكوك في صحة نتائجها. وقبيل إعادة الانتخابات مباشرة في الأول من يونيو (حزيران)، نظمت الأمهات اعتصاما في مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، حيث زُعم أن حزب العمال الكردستاني اختطف أبناءهم للتدريب القسري على حرب العصابات. ومن ثم قام كل شخص في البرلمان بإلقاء اللوم على الشخص الآخر، حتى عاد أربعة أطفال. هل جرى اختطافهم بالفعل؟ ولماذا أطلق سراحهم؟ هذان السؤالان مرا من دون الإجابة عنهما.

وبدأت حدة التوترات في التزايد في منطقة جنوب شرقي تركيا قبل إعادة الانتخابات، وهوجمت القوات والآليات العسكرية، ونصب حزب العمال الكردستاني المتاريس في بعض الأماكن: هل كل شيء سيشتعل مجددا بعد عام من عملية السلام؟

ليس بعد، فحزب العمال الكردستاني أخذ يعيد تأكيد وجوده وأوضح ما الذي قد يحدث إذا خرجت نتيجة الانتخابات التي تجري إعادتها في صالح حزب آخر. كانت الاحتجاجات ناجحة، وأظهرت نتيجة الانتخابات المعادة فوز مؤيدي حزب العمال الكردستاني في المنطقة بالقوة.

ويعني فوز حزب موالٍ لحزب العمال الكردستاني بالإدارة المحلية وبالمجالس البلدية أن الجماهير أصبحت تحت السيطرة على جميع الأصعدة. من خلال دعاياته القوية، يستطيع حزب العمال الكردستاني أن يؤثر على الناس بعدة طرق، فيمكنه أن يصور فكرة الحكم الذاتي بطريقة جذابة ويستمر في طريقه من خلال التهديد والضغط إذا فشلت كل المحاولات الأخرى.

دعونا الآن نعُد إلى البداية، يمكن فهم رغبة الولايات المتحدة في وجود دولة كردية صديقة لها وتحت سيطرتها الخاصة بأنها أمر مهم بالنسبة لها، خصوصا بالنظر إلى الظروف الراهنة. ولكن هناك فرضية قوية تشير إلى أن خطة الوقت الراهن سوف تشكل كابوسا لواشنطن.

يجب على الولايات المتحدة ألا تنخدع بهذه الجماعات التي تقف باسم القومية الكردية.

وبناء على ذلك، ليس من مصلحة الولايات المتحدة إقامة دولة كردية تضطهد الأكراد، أو تقسيم تركيا، أو عراق منقسم إلى دولتين. وإذا كانت الولايات المتحدة تؤيد فكرة إقامة دولة كردية ترزح تحت سيطرة جماعات متطرفة، وذلك موضع شك، فإنها بذلك ستكون داعمة لتفتيت حلفائها وصناعة نموذج كوري شمالي جديد. فيجب أن يوضع حجم المخاطر في الاعتبار.

ومن وجهة النظر التركية، فإن الطريق الذي تسير فيه عملية السلام يكتنفه الغموض، ولكن من المؤكد أننا لا يمكن أن ننجح في منطقة جنوب شرقي تركيا دون أن نوفر لشعبنا التعليم اللازم لمحو عقلية وميول متشددة، ومن هنا لن يكون هناك حاجة إلى مثل تلك الإجراءات القائمة على التهديد.