شوق على شوق

TT

«مكتوب عليَّ أبص لفوق وأجيب لقلبي شوق على شوق». الكلام ليس لي، بل هو جزء من أغنية من أغاني الزمن الجميل لمحمد قنديل. وقد غزت تلك الكلمات تفكيري بعد تنصيب السيسي رئيسا لمصر، فالأمل في مستقبل أفضل يداعب خيال كل مصري يبص لفوق فيتجدد الشوق في قلبه لزمن أفضل وحياة أفضل ويدعو الله أن يمن عليه بنسيان فترات من الأفضل أن تُنسى.

ولعل القارئ لا يجد علاقة بين ما كتبت في هذه السطور وحالة صحية طرأت على حياتي فجعلتني أتأرجح كثيرا بين الخوف والرجاء، أتقدم خطوة فيغمرني الأمل، وأتقهقر خطوة فيعتريني الخوف المقيم، ولكن سرعان ما ينتصر حب الحياة وتتصدى روح المحارب المشهد في مجمله.

راقبت احتفالات الشعب المصري التي حركها الأمل في مستقبل أفضل على شاشة التلفزيون. فهمت مصدرها وتعاطفت معها.

كل الدلائل تشير إلى أن الرئيس الجديد يتمتع بشعبية واسعة، وتدل على أن تحركاته الهادئة تتجه في الاتجاه الصحيح بدعم من المملكة العربية السعودية ودول الجوار وبوادر مصالحة مع إثيوبيا واتفاق على تنوع مصادر السلاح وفرض ضريبة على البورصة وتحركات لاسترداد بعض الأموال المنهوبة وإعادة بناء القوات المسلحة، وغيرها سياسات كثيرة كلها تبشر بخير.

ثم وقعت أحداث التحرير الخاصة بالتحرش بالنساء. فانقسمت الآراء. البعض يقول هذه تركة 30 عاما من الفساد وانعدام سلطة القانون وترك الناس بلا ترسيم لحدود السلوك بحيث تحول المصريون إلى غابة من الوحوش، فإنك إن خلقت غابة لا تندهش من وجود الوحوش هائمة على وجوهها بحثا عن فريسة: شباب جاهل بلا ثقافة ولا انتماء ولا أمل في المستقبل. ماذا تنتظر من هؤلاء؟

أكاد أجزم بأن الذين يتربصون بمصر عوَّلوا على تفجر تلك الانقسامات والأفكار الباعثة على اليأس والقنوط. وأجزم أيضا بأن المتحرشين قلة مدسوسة ومستأجرة. الصهاينة لا يتبارون مع مصر في القوة البشرية، فإن فسدت تلك القوة وعم الجهل والفقر والمرض والتوحش تفتت المجتمع وأصبح من السهل السيطرة عليه. ولنتذكر معاهدة فرساي والهدف الذي عملت من أجله، وهو فصل التجمعات السكانية عن المجتمعات الغنية وتفتيت العالم العربي إلى دويلات. ولننظر إلى ما حدث في السودان وما يحدث في ليبيا. وباسم الديمقراطية تحول العراق إلى خراب وقتل علماؤه وتفرق أغنياؤه في أنحاء الأرض.

بصراحة، قلبي على السيسي؛ لأن معركته طويلة ولا يمكن الانتصار فيها إلا إذا عمل في صمت وانصب اهتمامه على إصلاح الجبهة الداخلية أولا.

وإن عدت إلى أحداث التحرش أقول، إن الإسلام أمر بقطع يد السارق، ولكن قبل أن تقطع يد السارق لا بد للقاضي من معرفة خلفية السرقة. السارق يسرق إن كان جائعا ويرى غيره مصابا بالتخمة من فرط ما يلتهم من طعام. وعليه فإن الحاكم يحاسب على جوع الحرامي. ولكن إن كان الحرامي يسرق حبا في السرقة فلا بد أن تقع عليه أقسى عقوبة. لا يكفي أن يُغرَّم المتحرش خمسة آلاف جنيه ويُحكم عليه بالسجن ستة أشهر. لو علم المتحرش بأن التحرش سوف يودي به إلى سجن مؤبد فسوف يفكّر مرات قبل أن تمتد يده النجسة على امرأة في طريق عام.

قبل أن أنهي سطوري هذه أقول، إن كلمة التحرش توحي بمشاعر غامضة من الخوف وتذكرني بالحرش والأحراش التي هي أراض شاسعة شبه مهجورة لا يؤمها الناس، أراضٍ الداخلُ إليها مفقود، والخارج منها مولود. ومن دواعي إحساسي بالندم أنني في طفولة ابنتي ابتكرت لها كائنا افتراضيا سميته «حرحش»، وكنت إذا مارستْ عليَّ العناد أذكرها بأن «حرحش» يسكن عندنا في الطابق العلوي، وأنه يراقب سلوك الأطفال الأشقياء.

وفي هذا السياق أقول للسيسي: لا تخف من «حرحش»، اعمل وسوف يرى الله عملك والمؤمنون.