حملة ضد تجار السيارات!

TT

حملة الحرب على التجار لا تزال متواصلة ومستمرة، حملة تكرس فكرة «كيس الملاكمة» المتاح وتلبيس قناع الشر بكافة أشكاله وأنواعه على وجوه التجار ليكونوا المسؤولين عن ارتفاع الأسعار والتقليد والغش التجاري والبطالة والتضخم وتردي الخدمات، بل حتى الربيع العربي نفسه في بعض التحليلات السطحية. وفي السعودية تستمر هذه الحملة مع شديد الأسف بشكل مؤسف. هناك الآن حالة ملحوظة بدأت باتجاه الحملة إلى «التركيز» على تجار السيارات تحديدا، والحملة تعتبرهم فئة أصبحت خارج التاريخ. كم هو سهل التعرض لفئة تجار السيارات، فهم فئة «كبيرة» عددا بحكم كثرة أنواع السيارات وبالتالي كثرة وكلائها، وأيضا لأهمية السيارة في حياة الناس كوسيلة تنقل وككماليات ورفاهية في بعض الأحيان.

واقع الأمر أن هذه الحملة مغرضة وليست عادلة. الاقتصاد السعودي الخاص كان لفترة طويلة جدا مبنيا على ركيزتين بحسب وصف أحد الاقتصاديين المرموقين الذي قال: «إننا نحن تجار سيارات وتجار أراضٍ»، وتجار السيارات للإنصاف كانوا السباقين في تقديم حلول التقسيط والإقراض الخاص قبل المصارف التجارية المعنية بهذا الأمر، وكذلك كان لتجار السيارات المبادرة والأسبقية ببرامج خدمة المجتمع والمسؤولية الاجتماعية، والكل بات مدركا لأهمية برنامج «باب رزق جميل» للتوظيف وتشجيع مبادرات العمل الذي تبنته شركة عبد اللطيف جميل. تجار السيارات كانوا السباقين في استحداث برامج استطلاع الرأي لقياس جودة الخدمة المقدمة وهي التي مكنت شركات سعودية من أن تحصل على أهم الجوائز المهنية ليس على مستوى المنطقة فحسب ولكن حتى على مستوى العالم ككل، وهذه الجوائز تخضع لمعايير احترافية وقياسية أقل ما يقال عنها إنها محترمة. طبعا الرد على تلك «المبادرات» التي قام بها تجار السيارات بحق مجتمعهم سوف يكون «وما الغريب في ذلك؟ أوليس ذلك واجبا عليهم؟»، هو واجب «افتراضي» وغير مجبورين عليه وكونهم قاموا به يستحقون التكريم والإشادة والتقدير لا التشهير والتنكيل. تحويل معطيات اقتصادية عامة وحالات اجتماعية مضطربة وإسقاط على نتائج استطلاعات رأي لتبيان حالة الرضا العام على أداء وكالات السيارات هي مسألة لا تقبل مهنيا، فهناك أساليب معروفة «يوجه» فيها السؤال الاستبياني بصياغة معينة لأجل الحصول على نتيجة «مطلوبة مسبقا» وهو ليس بسر ولا بجديد وبالتالي لا بد أن يؤخذ هذا الأمر من ضمن السياق الأكبر الحاصل بالحرب على التجار وإظهارهم أنهم رمز للاستغلال والجشع. معاداة تجار السيارات كما يبدو أنه هو الآن «طبق اليوم» أو «نكهة الشهر» ولكن هذا الأمر غير الموضوعي سيكون له آثار جانبية حساسة جدا في اقتصاد بلد يسعى لتنمية دور القطاع الخاص به ويسعى إلى تنويع مصادر الدخل للتخفيف من الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد تقريبا وأساسي، فهو سيحبط عزائم المستثمر الواعد ويجعله يبحث عن أماكن أخرى ذات مناخ أكثر ترحيبا، فإذا كان رأس المال جبانا كما يقال فهو أيضا يبحث عن التقدير والكرامة والاحترام.

تجار السيارات هم جزء من المنظومة الاقتصادية للقطاع الخاص في الاقتصاد الأكبر بالشرق الأوسط، وهم في حالات كثيرة باتوا مؤسسين وشركاء في أهم الشركات الصناعية والتجارية والخدمية، فيهم من أفاد واستفاد وفيهم من أخطأ وأصاب ولكن من الخطأ أن يتم استمرار الحرب عليهم بهذا الشكل الممنهج والمفضوح والرخيص لأنه ليس عيبا في حقهم فحسب ولكن في حق المجتمع ككل.