السيسي: مشروعية سياسية قوية

TT

ترتبط المشروعية السياسية لأي حاكم أو نخبة سياسية حاكمة، في مجال علم الاجتماع السياسي، بما يسمى «المضامين»، فهناك من يستمد مضمون مشروعيته السياسية من تحقيق الاستقلال، وهناك من يؤسسها من نجاحات تنموية مهمة.. إلى غير ذلك من المضامين القوية والمتعددة للمشروعية السياسية، التي لا بد منها كي لا تتآكل وتتلاشى؛ ذلك أن أخطر وأسوأ ما يمكن أن تصل إليه النخبة السياسية هو تآكل مضمون مشروعيتها، فيصبح الحل إما تجديد مضامين هذه المشروعية، باعتبار أن التجديد في المضامين آلية حماية للمضامين ذاتها، أو إعلان الإفلاس السياسي حيث تفقد النخبة الحاكمة مشروعيتها وتصاب مضامينها بالتهرؤ.

الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي يمتلك اليوم مشروعية سياسية قوية، بدءا من نتائج الانتخابات الرئاسية وحصوله على نسبة تاريخية ومليئة بالرسائل التي من أهمها أن الشعب المصري اختاره وبنسبة كبيرة وذلك بعد أن عاش المصريون تجربة مريرة مع «الإخوان»، انتهت بأحداث عنيفة.

المضمون الثاني لمشروعية الرئيس السيسي السياسية يتمثل في كونه أنقذ مصر من محاولة اختطاف إخوانية خطيرة تزج بها في مشكلات معقدة داخلية وخارجية، وتحلى - أي السيسي - بالشجاعة الكافية للدخول على الخط في الوقت المناسب.

أيضا نعتقد أن دعم المملكة العربية السعودية لمصر وللرئيس عبد الفتاح السيسي مسألة رمزية مهمة جدا، فهو دعم مهم سياسيا على الصعيد العربي والدولي؛ إذ إنه دعم مدروس وصريح ومبني على رؤية مبدئية معمقة لدور مصر، ووعي السعودية بضرورة استعادة مصر دورها الإقليمي في سياق عربي حرج، يحتاج إلى تحالف إقليمي استراتيجي بين مصر والسعودية بوصفهما دولتين إقليميتين تتحملان بمفردهما اليوم استحقاقات الأمن القومي العربي، خصوصا بعد أن طرأت على خريطة الدول الإقليمية العربية تغييرات عميقة. ففي هذا الإطار من الفهم للمصلحة العربية ومقتضياتها المستعجلة والحاجة إلى عودة مصر لأداء دورها في المنطقة، نُنزل دعم المملكة العربية السعودية للرئيس عبد الفتاح السيسي، واعتبار أن أي مساس به هو مساس بالعروبة والإسلام وبالسعودية ذاتها. إذن في حوزة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باقة من المضامين تُقوي مشروعيته السياسية وتجعله يبدأ رحلة الرئاسة برأسمال رمزي قوي. لذلك، فإن مسؤوليته بالفعل كبيرة، وستظهر قوته أكثر أو إنه سيوظف مصادر قوته السياسية بشكل أكبر إذا ما استقطب فئة المثقفين المصريين الذين لم يتفاعل البعض منهم مع فوز السيسي بالرئاسة. وهو في الحقيقة أمر يمكن تبريره، باعتبار أن هناك من النخبة الثقافية من يفضل رئيسا مدنيا. كما أن المخاوف من العقلية الأمنية والثقافة الأمنية وحده الرئيس السيسي قادر على دحضها من خلال التركيز؛ خطابا وممارسة، على المضامين المدنية، وكل ما يخدم مشروع بناء نظام ديمقراطي. نشير إلى هذه المسألة المهمة دون أن ننسى أن لمصر خصوصية كبيرة تجعل من البعد الأمني في هذه المرحلة تحديدا عاملا إيجابيا في الملفات الكبرى.

كما أن المشكلات العاصفة بالمنطقة اليوم تحتاج إلى كفاءات في هذا المجال كي تتم محاربة الإرهاب وجماعاته وتنظيماته، إذ لا نستطيع أن نغفل عن وزن المعالجة الأمنية، شأنها في ذلك شأن المعالجات الثقافية والاقتصادية وغير ذلك من الوصفات الاجتماعية التي تحمي المجتمع من طاعون العنف والإرهاب. أيضا رأينا كيف تواترت أخبار تؤكد انتعاش تداولات أسهم البورصة المصرية بعد فوز المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية، حيث ساهم هذا المعطى وما يرمز إليه من وعد بالاستقرار في ترشيح مصر لرفع تصنيفها الائتمائي، أي إن مؤشرات الاستقرار بدأت تتجمع وتفعل فعلها، ناهيك بما أعلنته فئات شعبية مصرية كثيرة من ابتهاج بنتيجة الانتخابات.

من جهة أخرى، نعتقد أن ما حصل في مصر سواء بالنسبة إلى ثورة 25 يناير 2011، أو الأحداث التي عاشتها في الصائفة الماضية والتي انتهت بعزل الرئيس السابق محمد مرسي.. كل هذا وغيره يعني أن مصر سائرة نحو الأمام، ومن غير الممكن الرجوع إلى الوراء في مجال الحريات والديمقراطية وما يطمح إليه المصريون.

طبعا المعادلة ليست هينة، باعتبار أن التحديات المتصلة بالأمن القومي المصري والعربي ستؤثر على وتيرة تراكم الحريات وتفعيلها. لذلك فسلاح المجتمع النخبوي والمثقف والمدني يتمثل في اليقظة والضغط المستمر المفيد لجميع الأطراف سواء الحاكمة منها أو المعارضة أو المستقلة.

وبقدر ما سيكون الرئيس عبد الفتاح السيسي متفاعلا وإيجابيا مع النخب كلها، فسينجح في الاتصال والتواصل السياسيين، وهو ما سيقوي باستمرار مشروعيته السياسية، ذلك أن مشروعية الحكم كالشجرة تحتاج إلى الماء كي تنمو وتكبر وتحيا.

أليست كل المؤشرات تؤكد بداية مشروعية سياسية قوية للرئيس السيسي؟