«داعش» في العراق.. والّا «دا عش»؟!

TT

«داعش» تتمثل قول المتنبي بعد التعديل:

أنام ملء جفوني عن «قذائفها»

ويسهر الخلق جراها ويختصمُ

ها هم الناس يختصمون حول التحولات الخاطفة والمفاجئة والتي دخلت فيها «داعش» لاعب ارتكاز، والقول بأنها لاعب ارتكاز لا يعني أنها اللاعب الوحيد، فالصحوات وفلول البعث والتنظيمات السنية المعتدلة منها والمتطرفة، وبعض قيادات السنة العلمية والفكرية داخلون في هذا التغيير بطريقة مباشرة وغير مباشرة، تجمعهم خصومة المالكي وتوجهاته الطائفية الصارخة، وتفرقهم الآيديولوجيات وترتيب الأولويات وأساليب التغيير، ويبدو أن المستجدات في العراق تستنسخ المشهد السوري وتتبعه حذو القذة القذة حتى لو دخل السوريون جحر ضب لدخله العراقيون، فلم تكد المجموعات السنية، سواء كانت داعشية أو بعثية أو مجموعات إسلامية أخرى أو خليطا منه هذه كلها وغيرها، تسيطر على بعض المدن العراقية الشمالية وفرت منها قوات المالكي بقياداتها وضباطها، حتى وقعت في نفس الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها بعض المجموعات المناهضة للنظام السوري، فاحتلت القنصلية التركية، واحتجزت العاملين فيها رهائن مما يبعث سؤالا عن ماهية بعض هذه المجموعات وغاية أهدافها، وقد وجهت هيئة علماء المسلمين التي يترأسها الشيخ حارث الضاري حزمة من النصائح إلى هذه المجموعة التي هاجمت القنصلية التركية والفصائل الأخرى، ونعتتهم بالثوار، وقالت بأنه من الخطأ استعداء العالم الإسلامي، خصوصا دول الجوار، وارتكاب مثل هذا الخطأ والثورة ما برحت برعما يسهل قطعه.

تسارع الأحداث في العراق وفجاءة تطوراتها وتعقيدات الملف السوري، وارتباك مشهده وانتكاسات الثورة في سوريا ونهوضها في العراق، مخاض لتغييرات كبرى في المنطقة لا يمكن عزلها عن اتفاقية «سايس بيكو» سيئة الذكر والسمعة، التي أثمرت مخططا قسم المناطق التابعة للخلافة العثمانية إلى دويلات لا تقوم حدودها السياسية لا على منطق جغرافي أو تاريخي أو عرقي أو ديني أو مذهبي، ويبدو أن المنطقة تدفع الآن فاتورة هذا المخطط الإبليسي، طبعا دون نزع المسؤولية عن دول المنطقة التي كان بمقدورها تفويت الفرصة وتجاوز هذه الظروف غير الطبيعية.

لسنا متشائمين إذا قلنا بأن الأوضاع المعقدة والخطيرة في العراق وسوريا تجعلنا نتصور بأنه لا انفراج في المستقبل القريب لهاتين الأزمتين لعدة أسباب أحدها وأخطرها دخول العامل الطائفي وتشابكه، ولا يبدو في الأفق بروز قيادات عاقلة تبحر بالبلاد إلى شاطئ الأمان، والناس لها نصيب من هذه المسؤولية فكلما كان رمز الطائفة عنيفا وطائفيا وحديا كانت أسهمه في الفوز أكثر احتمالا، وهذا بالضبط ما حصل للماكي، وثانيها أن الثوار في البلدين يجمعهما مخاصمة النظام ويفرقهم بعدها كل شيء، فلن يقنعنا قوة ضاربة لأحد الفصائل ولو سيطرت على نصف العراق وسوريا، إذا كان فيهم من يسري الإقصاء والوحشية في دمه ويعقد محاكماته في دقائق، ويجز رؤوس رفقاء المقاومة كما يجز خرفانه التي «غنمها» في صولاته العسكرية، و«داعش» التي اقتاتت على خلافات رفقاء الثورة في سوريا تكرر السيناريو في العراق، هناك من يعتبر «داعش» فصيلاً إسلامياً متشدداً، وهناك من نظر في حال الحركة وما تسببه في خلخلة وحدة المعارضة السورية فقال: «دا....عش» بناه طغاة العراق وسوريا وبإقرار ضمني غربي، وفي كلتا الحالتين «داعش» إعلان صريح على إخفاق رفقاء النضال، في سوريا أولا، ثم العراق لاحقاً، في تغليب مصلحة الوطن العليا على مصالحهم الحزبية الآنية.