البوليس الفاشل

TT

عفوا، لا أقصد به قوات الأمن العراقية وإنما الإدارة الأميركية التي أخذت على عاتقها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية دور البوليس المسؤول عن أمن العالم «الحر»! لا بد من الاعتراف بأنها نجحت في هذا الدور في عدة ميادين، كالبلقان مثلا. ولكن الشرق الأوسط غير مدين لها بشيء. أولا إن دورها الحاسم في إقامة إسرائيل وتقسيم فلسطين هو الذي أجج كل هذه النيران في المنطقة. معظم مشاكلنا ترتبط به. وفيما بعد، ألقت بنا في مشاكل الحرب الباردة التي لم تكن تعنينا من قريب أو بعيد. وهذا موضوع جرنا للوقوع في كثير من المطبات والانقلابات والتحالفات المتفرعة من متطلبات الحرب الباردة ومنازعاتها الآيديولوجية، كالوقوع في الشيوعية ومحاربة الشيوعية. وكلفنا ذلك كثيرا دون أن تعترف واشنطن بمسؤولياتها عنه أو تشكرنا عليه. لقد باءت جل تدخلاتها العسكرية في منطقتنا، أفغانستان والعراق وليبيا والصومال، بالفشل وأوقعتنا في مشاكل.

بيد أن الميدان الذي تطلب منها التدخل جرت يدها منه. يتحمل أوباما مسؤولية واضحة بالنسبة لسوريا. لقد شجع الانتفاضة ونصح السوريين بعدم الاستسلام للأسد. ولكنه لم يمد يده إليهم بشيء. لم يقدم حتى أقل صدقة إنسانية بإعلان منطقة آمنة، على نحو ما أعلن في العراق في عهد صدام. فلو فعل ذلك لما هاجر ألوف السوريين وتخلوا عن وطنهم. كان بإمكانه منع الأسد من استخدام سلاح الطيران، كما فعلوا مع صدام أيضا. لا حاجة لإرسال عساكر، ولكن كان بإمكانه استعمال طائراته في ضرب دروع الأسد كما جرى في ليبيا. تستخدم أميركا الدرونات في شتى الأماكن، اليمن وباكستان مثلا. لم لا في سوريا؟ لم لا تزود الثوار بالسلاح؟ أعلن أوباما أن استعمال الأسلحة الكيماوية خط أحمر. لقد استخدمها الأسد. فأين الرد على تجاوز الخط الأحمر؟

لقد فتح تردد أميركا في حسم النزاع السوري الساحة لشتى المنظمات الجهادية التي وسعت نشاطها الآن للعراق. وليس غير واشنطن مسؤولة عن ذلك. قيل إن داعش زحفت على الموصل بسيارات من نفس الماركة وبمكائن أرقامها مسلسلة من نفس الشركة المنتجة. كيف اشتروها واستوردوها وساروا بها للموصل؟ أين المخابرات الأميركية؟ وماذا تعمل أقمارها الصناعية؟ ألم تزودهم إسرائيل بما يجري؟

لم هذا الشلل الأميركي بالنسبة لسوريا الذي فتح الميدان لكل من هب ودب؟ تعددت الآراء. ورأيي هو أن الضوء الأخضر لم يرد من إسرائيل. سياسات واشنطن مقيدة باللوبيات. وهنا لوبي النفط ولوبي تجارة السلاح واللوبي اليهودي. وهذا ما يجعل هذا الشرطي النائم والغريب عن عالمنا غير مؤهل في رأيي للقيام بمهمة بوليس المنطقة. وطالما أثبتنا فشلنا في حكم أنفسنا واحتجنا لمن يسهر على أمننا وشؤوننا، فينبغي البحث عن وصاية بوليس آخر أكثر خبرة ومعرفة من الأميركان بعالمنا وتاريخنا ومعتقداتنا وأقل خضوعا للوبيات، كالاتحاد الأوروبي، قبل الوقوع في وصاية من لا يقل تخلفا عنا. لو أن واشنطن استمعت لنصائح الخارجية البريطانية بشأن العراق، كالاحتفاظ بالجيش العراقي كما بناه صدام مثلا، لما وقع العراقيون، ومن ورائهم كافة شعوب المنطقة، في هذه المحنة.