إنها حقا «بشرة خير»!!

TT

عدد من المطربين والمطربات المصريين حائرون، يتساءلون في جنون: لماذا ردد الملايين في مصر والعالم العربي أغنية حسين الجسمي «بشرة خير» أثناء انتخابات الرئاسة، ثم صارت هي أيضا أشهر أغنية في فانوس رمضان، بينما أغانيهم لم تعرف الطريق لا إلى قلوب الناس ولا إلى قلوب الفوانيس؟!!

بالطبع هم يشيرون بطرف خفي إلى أن الجسمي إماراتي الجنسية، ويتجاهلون أن مشاعر الناس لا تنظر إلى جواز السفر، ولكن إلى صدق الأحاسيس، وهكذا كان الجسمي حاضرا بقوة في الوجدان الوطني المصري. والحقيقة، ليس الجسمي فقط، لو أحصيت مثلا عدد الأغنيات التي قدمتها نانسي عجرم وهي تنشد حبا في مصر لاكتشفت أنها غنت لأرض الكنانة أكثر مما غنت لبلدها لبنان، لم أفكر يوما أن ألعب هذا الدور وأبدأ العد.

البعض تساءل: لماذا يغني فنان عربي حبا لبلد لا يحمل جنسيته؟ والحقيقة أنني عندما أسمع فنانا يتغنى ببلد عربي لا أشعر سوى أنه يغني أيضا لبلدي، فيروز عندما تشدو «أحبك يا لبنان» أشعر بأنها تردد أيضا في اللحظة نفسها «أحبك يا مصر».

كان فريد الأطرش أكثر فنان عربي يحمل جنسيات عربية متعددة، فلقد كان لديه أربعة جوازات سفر: مصري، وسوري، ولبناني، وسوداني. ووديع الصافي حمل بالإضافة إلى جواز سفره اللبناني جوازا مصريا. وأصالة لديها جوازان: سوري، وبحريني. لا أتصور سوى أنهم في النهاية يحملون جواز سفر عربيا.

هل من الممكن أن ننسى تلك الأغاني الوطنية الجماعية، مثل «وطني حبيبي الوطن الأكبر» في مطلع الستينات، وشاهدنا فيها وردة ونجاح سلام وصباح وفايزة وعبد الحليم؟ لا أتصور أن هناك من تساءل وقتها: من غنى لمصر ومن غنى لتونس والجزائر واليمن وسوريا. ثم جاء أوبريت «الحلم العربي» قبل أكثر من عشر سنوات لنجد أمامنا الحالة العربية ماثلة في الكلمات والألحان «جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما»، استمعنا إلى أحلام من الإمارات، وأصالة من سوريا، والحلو من مصر، ومتعب العمري من السعودية، ونبيل شعيل من الكويت، والشاعري والمزداوي من ليبيا، ولطفي بوشناق وذكرى من تونس، وغيرهم.. لا أعتقد أن هناك من سأل عن نصيب كل دولة عربية، ولكن كان الأوبريت يعزف بمهارة على الجراح والآمال العربية.

لا أرتاح إلى مثل هذه التقسيمات، لقد ردد المصريون أغنية «عظيمة يا مصر» لوديع الصافي في ثورتي 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران)، ولا ننسى اللبنانية نجاح سلام وهي تغني «يا أغلى اسم في الوجود يا مصر» عام 1956، ولا نزال نردد معها الأغنية في كل مناسبة وطنية.

كان من بين طموحات أم كلثوم أن تردد قصائد لكل الشعراء العرب، وهكذا غنت للأمير السعودي عبد الله الفيصل قصيدتيه «ثورة الشك» و«من أجل عينيك عشقت الهوى»، والسوري نزار قباني «أصبح عندي الآن بندقية»، واللبناني جورج جرداق «هذه ليلتي»، والسوداني الهادي آدم «أغدا ألقاك»، ولو امتد بها الزمن لغنت لشعراء من الجزائر والكويت والأردن والمغرب والإمارات، ولا ننسى أن نشيد الجزائر الوطني وسلامها الجمهوري «قسما بالنازلات الماحقات» وضع موسيقاه المصري محمد فوزي!

عبد الحليم حافظ غنى في مطلع الستينات، عند بداية افتتاح التلفزيون الكويتي، ثلاث أغنيات باللهجة الكويتية وصوّرها وهو يرتدي الزي الخليجي، ولا نزال نردد معه «يا هلي يا هلي».

تابعوا المطرب الإماراتي حسين الجسمي وهو يغني للجيش المصري «تسلم إيدينك»، ثم للقاهريين «عيني على أهل كايرو»، وسوف يغني للسكندريين في رمضان القادم تتر مسلسل «عيني على أهل الإسكندرية»، إنها حقا «بشرة خير»!!