بوريس وبلير.. وبينهما العراق

TT

بين 2003 و2014 نحو 11 عاما ولا يزال الجدل السياسي مستمرا في العواصم الغربية حول ما إذا كان قرار غزو العراق للإطاحة بصدام حسين صائبا أم خاطئا، والسبب واضح على الأرض هناك ولا يحتاج إلى تفسير، وقد أجج الجدل التطورات الأخيرة التي تهدد بحرب طائفية وإعادة رسم الخريطة، ودعاوى التدخل خوفا من امتداد الخطر إلى الخارج.

بوريس جونسون عمدة لندن وأحد أقطاب حزب المحافظين هاجم بقسوة توني بلير رئيس الوزراء العمالي الذي قاد بريطانيا إلى دخول الحرب مع جورج بوش متهما إياه بأنه فقد صوابه لاستمرار بلير في الدفاع عما حدث في 2003 وقوله إنه لا علاقة بما يحدث حاليا في العراق، وإن صدام كان سيطاح به على الأرجح في ثورة شعبية تعقبها حرب أهلية دامية ولذلك لا حاجة لأن نلوم أنفسنا على ما يحدث حاليا. ولا يخفي جونسون أنه صوّت لصالح الحرب في البرلمان وذلك تحت تأثير اعتقاد خاطئ بأن هناك خطة لما بعد الحرب مثلما حدث في ألمانيا بعد 1945، ويقر بأن الحقيقة أنه قبل الحرب لم يكن هناك في هذا البلد أي وجود لتنظيم القاعدة.

هذه الحقيقة لا تنفي أن صدام نفسه مسؤول عما وصل إليه بلده بمغامراته التي كانت لا تنتهي والتي لا تراعي أي حسابات، بدءا من حرب مدمرة استمرت نحو ثماني سنوات مع إيران، واستنزفت الموارد، وبعدها حرب غزو الكويت التي وضعته في مواجهة مع العالم كله، فرضت بعدها عقوبات قاسية بحق نظامه، وعانى منها الشعب، مع المعاناة الأصلية لنظام شمولي شديد القسوة في أساليبه القمعية التي لا بد أن تترك جروحا وانقسامات في نسيج المجتمع ومكونات الدولة نفسها.

ثم جاء الغزو نفسه في 2003، وبصرف النظر عن الأسباب وما إذا كانت حقيقية أم لا، فإن كثيرين توقعوا مستقبلا أفضل للعراق في إطار حريات أوسع، لكن القوى الدولية تصرفت كهواة، ولم تكن لديها خطة لليوم التالي بعد وقف إطلاق النار، والأدهى حل أو تفكيك مؤسسات الدولة العراقية بدءا من الجيش إلى الشرطة والوزارات تحت شعار التطهير من البعث، دون أن يكون هناك بديل سوى الفوضى والميليشيات المسلحة الطائفية التي دخلت لملء الفراغ، وما زالت قائمة في المعادلة السياسية بعد أكثر من عقد من الحرب.

مسؤولية الفوضى التي حدثت لا تقع على بوش أو بلير وحدهما أو المسؤولين الذين عيناهم لإدارة الملف في العراق، أيضا تتحمل مسؤولية كبيرة النخبة السياسية العراقية التي كان الكثير منها في الخارج ولعبت دورا مهما في تقديم النصائح والإرشادات قبل الحرب، ثم دخلت السلطة بعد ذلك، وعززت حالة الاستقطاب الطائفي في البلاد.

مع ذلك فإن عشر سنوات كانت كافية لأخذ الدرس من التجربة وتصحيح المسار، ومحاولة احتواء الفئات أو المناطق التي تشعر أنها مهمشة، ولكن للأسف لم يحدث ذلك، وعلى العكس استمرت السياسات التي تعمق الانقسام، وأصبح حديث التقسيم يكسب أرضا يوما بعد يوم، دون أن يجري أحد حسابات واقعية ليعرف أن هذا السيناريو سيكون أشد دموية وعنفا من كل ما شهدناه من قبل.

إن انسحاب قوات الجيش العراقي الأكثر عددا وتسليحا أمام نحو ألف وخمسمائة مسلح حسب أكثر التقديرات تفاؤلا، تاركا مخازن أسلحة وطائرات مروحية قتالية حسب بعض التقارير، يطرح علامات استفهام كثيرة حول حقيقة ما يحدث في الأنبار بالعراق.

وفي كل الأحوال لن يقبل أحد سيطرة دائمة لتنظيم بأفكار «داعش» على مدن أو مناطق في العراق، وحتى لو جرت استعادة الموصل والمدن الأخرى بالقوة فإن ذلك لن يهدئ الأزمة التي تتفاعل منذ عام وبدأت باحتجاجات ومظاهرات. المطلوب فكر جديد غير إقصائي يستوعب الجميع في الحكم ويرسخ الثقة بين مكونات المجتمع، وقد تكون البداية من خلال فكرة حكومة الوفاق الوطني التي طرحتها السعودية أمس.