أوباما: إنزال نورماندي قصص أخلاقية

TT

كان خطاب الرئيس أوباما في إحياء ذكرى إنزال قوات الحلفاء في نورماندي قويا، وإن كان مال على الجانب الأسهل قليلا، ويعد أفضل مقارنة بخطاب فلاديمير بوتين رئيس روسيا التي كانت حليفا للولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.

حكى خطاب أوباما قصة الحرب بالطريقة التي يفهمها الأميركيون: قصة أخلاقية حين هب الأميركيون لعون حلفائهم لضمان «بقاء الحرية في لحظة الخطر الأعظم هذه». هناك شيء من الحقيقة في هذه الأسطورة.

ونسج أوباما قصته مستخدما قصص الأميركيين الذين رغبوا، كما قال أوباما، «في وهب حياتهم لشعب لم يروه أبدا، ومُثُل لم يكن لهم أن يعيشوا دونها». وحكى قصص بعض قدماء المحاربين الحاضرين وحكى عن جده.

وصف أوباما إنزال القوات على شاطئ نورماندي «برأس شاطئ الديمقراطية» وبداية مسيرة طويلة تقودها الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية عبر العالم، مسيرة تواصلت عبر انهيار الاتحاد السوفياتي و(رغم أنه لم يذكرها) امتدت إلى أوكرانيا اليوم. إن الولايات المتحدة هي أكبر قوة من أجل الحرية عرفها العالم وستظل كذلك.

حضر بوتين احتفالات ذكرى نورماندي، مما يحير مع بعض الأحداث الأخيرة في شبه جزيرة القرم. ولم يلقِ بوتين خطابا لكنه تحدث عن الحرب العالمية الثانية في خطابي عيد النصر أخيرا مرة في الميدان الأحمر في موسكو ومرة في شبه جزيرة القرم.

وكان خطابا بوتين أقل تنميقا من خطاب أوباما (بوتين لا يلقي الشعر). ولم ترد إشارة إلى أفراد في حكايته ولا تضحية وطنية، فقط «رفاق وضباط وأدميرالات». كما لم تكن هناك دعوة إلى لنشر الحرية والديمقراطية عبر العالم، بل مهمة شرسة ومجيدة لسحق الفاشية وحماية الوطن: هذه عطلة تعرض القوة الغالبة من الوطنية واليوم الذي نصبح فيه جميعا مدركين عاطفيا لمعنى التفاني وهبة كل شيء للوطن، ومدى أهمية الدفاع عن مصالح الوطن.

كما لم يشر بوتين إلى الدور الذي لعبه بقية الحلفاء في القتال وفي إنزال نورماندي بالتحديد، حيث تبهت حتى «المياه المشربة بالدماء» التي ذكرها أوباما مقارنة بالخسائر التي تُكبدت في الجبهة الشرقية: تحددت نتيجة كل الحرب العالمية الثانية بالمعارك الضارية في موسكو ولينينغراد وستالينغراد وكورسك ودنيبر.

وهناك أيضا شيء من الحقيقة في هذه الأسطورة الروسية عن الحرب، لكن قصة بوتين عن الحرب قديمة وجديدة مع عواقب لم تنتهِ بعد بالنسبة لروسيا، التي تشكل رواية أميركا أوباما التوسعية تهديدا لها.

من وجهة نظر بوتين فإن الجيوش الروسية أنقذت شرق أوروبا من «العبودية». وكان تحريرها من ذلك الإنقاذ عام 1989 حلوا مرا. وتتكشف الآن أيضا العلاقة المعقدة التي كانت لأوكرانيا مع الاتحاد السوفياتي. ولم يتحدث بوتين في خطابه في عيد النصر في سيفاستوبول عن نشر الحرية إلى شبه جزيرة القرم، لكنه تحدث عن تاريخهما المشترك من التضحية من أجل روسيا الأم.

ليست هاتان أسطورتين مختلفتين للحرب العالمية الثانية وكيف انتهت، ولكنهما من عدة أوجه حربان مختلفتان لم تنتهِ أي منهما تماما.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»