مع قهوة الصباح

TT

ما أجمل أن يسترد الإنسان وعيه في ساعات الصباح المبكر على أصوات الطيور، وأشعة الشمس وهي تتسلل عبر نافذة المخدع. يحرك المرء أطرافه حبا في الحركة، ثم تداعب حواسه فكرة النهوض، ليس لأنه يشتاق إلى الذهاب للعمل، ولكن لأن رائحة القهوة الصباحية تغريه وتذكره بأن وظائف المخ لن تفعّل إلا بعد شرب القهوة.

اليوم قرأت أن إغراء قهوة الصباح أضحى مدعوما بحقيقة علمية إضافية، وهي أن أحد مكونات نبتة البن له أثر حميد على الأسنان لأنه يحميها من آثار «الكلس» الذي يتراكم على أسطحها ويتسبب في أمراض اللثة.

باختصار نبتة البن تحتوي على مكون يهاجم البكتيريا الضارة ويقضي عليها خلال أيام، ومن ثم يجري التفكير حاليا في تصنيع غسول للفم والأسنان يحتوي على مشتقات البن. وفي جامعة «باث» البريطانية يعتقد بعض العلماء أن بقايا فنجان القهوة التي تترسب في قاع الفنجان يمكن أن توظف وقودا للسيارات. ويفترض أن كل 20 كيلوغراما من بقايا القهوة يمكن أن تنتج ما يوازي لترين من وقود السيارات.

ليس غريبا أن يكون فنجان القهوة هو المشروب الأوسع انتشارا في العالم أجمع. وليس غريبا أن أجود أنواع القهوة هي القهوة العربية، حيث تتوفر الظروف المناخية لنموها. وليس غريبا أن يشكل تصدير البن نصف مدخول بعض الدول النامية من النقد الأجنبي. ولكن بمضي الزمن أصبحت البرازيل منافسا كبيرا لليمن في زراعة البن وتصديره.

الولايات المتحدة تستورد من البن ما قيمته ثمانية مليارات دولار سنويا.

لا أحد يعرف على وجه التحديد لماذا سميت القهوة بـ«القهوة». غير أن معجم أكسفورد للكلمات الإنجليزية يفترض أن المفردة دخلت اللغات الأوروبية عن طريق الاحتكاك بالإمبراطورية العثمانية في بدايات القرن السابع عشر. والبعض يفترض أنها كلمة متعلقة بإقليم كافا في إثيوبيا حيث وجدت نبتة البن في البداية، وحيث لاحظ راعي الأغنام أن أغنامه تنشط كثيرا وتتحرك كثيرا بعد أن تأكل أجزاء من شجيرات جبلية تخرج حبوبا وأوراقا وثمرات عرفت فيما بعد بشجيرات البن. وقيل أيضا إن ناسكا سكن غارا في الجبال ولم يكن معه طعام فشعر بوهن شديد إلى أن وقع على شجيرة جبلية تناول من ثمارها حبة فوجدها صلبة ومرة فعنّ له أن يغليها في الماء لعلها تصبح أكثر ليونة، ثم شرب ماءها فإذا به ينشط ويشعر بالاكتفاء ساعات طوال.

أتذكر دائما أنني ما تذوقت القهوة طوال فترة طفولتي وصباي في مصر. ولا أتذكر يوما بالتحديد تذوقت فيه القهوة بعد سفري إلى أوروبا لاستكمال تعليمي، ولكني موقنة بأن القهوة ظلت مشروبي المفضل لسنوات إلى أن تبدلت احتياجاتي الجسمانية بسبب مرض ألمّ بي. غير أنني ما زلت أتذكر أن إعداد القهوة وتقديمها كان جزءا لا يتجزأ من إعداد البنات في مصر لدور الزوجية. فالقهوة تعد ببطء شديد ويفضل أن تعد على موقد صغير في «كنكة» خاصة، وألا تفور وإلا ضاعت منها الطبقة السميكة التي تكسو سطح الفنجان. وأتذكر أن القهوة لا تقدم إلا مع كأس من الماء البارد. وكنت ألمح ابتسامة رضا على وجه أبي كلما زاره ضيف وطلب مني أن أعد لهما القهوة.. كنت ألمح ابتسامة الرضا وهو يراقبني أحمل الصينية وأمشي بتؤدة نحو غرفة الاستقبال فأقدم الصينية وعليها فناجين القهوة المصنوعة من البورسلان والمزينة بنقوش يابانية.

كل شيء قابل للتغيير حتى القهوة. فقد تراجعت شعبية فنجان القهوة الصغير الذي تعلمت إعداده في مصر والذي يسميه البعض «قهوة تركي» ويصر البعض الآخر على تسميته «قهوة إغريقية»، علما بأن كليهما استجلب البن من بلاد العرب، ثم حكم العثمانيون العرب واليونانيين فنسبوا القهوة إلى أنفسهم. أما اليوم، فأصبحت قهوة «ستاربكس» هي الأكثر انتشارا.