العنف عم العالم الإسلامي

TT

نشهد هذه الأیام المذابح وعملیات القتل الوحشیة في العالم الإسلامي. فالدماء تسفك والأرواح تزهق في العراق وسوریا وأفغانستان ولیبیا، وهو ما یثیر حقا الأسف والقلق.

وأنا لا أنظر إلی التاریخ بتشاؤم، فقد حاولت في الغالب أن أكون متفائلا، ولكنني أری أننا نشهد بفعل كل هذه المذابح والدماء التي تسفك ظلما، أن الإنسان یتقدم یوما بعد آخر نحو المزید من الإنسانیة، ذلك لأنه یدرك حق الإدراك أن كل هذه المذابح لا تدل علی الإنسانیة، بل علی الوحشیة والهمجیة.

وفي وقت من الأوقات ارتكب بعض سفاكي الدماء من أمثال جنكیز خان مآسي یرتجف لسماعها جسم الإنسان، فقد سووا المدن والقری بالتراب وصنعوا من رؤوس البشر منائر، وإذا ما تقرر أن یسلك الإنسان نفس هذا السلوك وبنفس الوحشیة وقساوة القلب، رغم كل مظاهر التقدم التي حققها، وخصوصا في مجال التكنولوجیا، فلا شك أننا سوف نعجز حتی في ذهننا أن نتصور مدی الجرائم والمآسي التي سترتكب.

ویری بعض الفلاسفة أن الحرب وسفك الدماء مترسخة في ذات الإنسان، وأن الحرب مستمرة، ولا یمكن أن یسود الصلح أبدا، ولكني أرید أن أشیر إلی ملاحظة أصبحت في هذه الأیام كابوسا یهیمن علی العالم الإسلامي، وهي أن الدین الذي لا یقترن بالتعقل، یمكن أن یكون خطرا وبلاء یحدق بحیاة البشر وأرواحهم.

وللأسف فإننا نشهد الیوم تیارا من اللاعقلانیة والطاعة غیر العقلیة بین كل المسلمین، وهي تتنافی مع روح الإسلام؛ فالإسلام دین وضعت تبييناته حول الله والإنسان والعالم ومجموعة أخلاقه وواجباته علی أساس العقل.

فلقد نفی الإسلام بظهوره، دین الآباء والأجداد وسننهم التي لا تقوم علی العقل والتفكیر السلیم. ویری الإسلام أن التزكیة والأخلاق والتعقل سوف تجتمع ذات یوم، وتحل المشاكل.

ولكننا ما نزال للأسف نتفرج علی المذابح مكتوفي الأیدي.

وأنا أری أن الأجیال الأربعة الماضیة من البشر شهدت تطورات لافتة للنظر إلی حد كبیر في مجال الفكر والنظر حول السلام، وتحقق المثل العلیا في حقوق الإنسان، ومن العدل أن نقول إننا ینبغي ألا ننكر الإجراءات العملیة التي قیم بها في هذا المجال.

ولكن السؤال هو: هل یمكن القول - تبعا للإجراءات النظریة من جهة والمثل والأهداف السامیة للمفكرین في هذا المجال من جهة أخری - إن الخطوات العملیة قد تمت بما یتناسب مع النظر والفكر، وهل یمكن أن نتصور أفقا مضیئا یبعث علی التفاؤل بالنسبة إلی مستقبل الإنسان؟

لقد أیقظت مأساة الحربین العالمیتين الإنسان من غفلته بشكل یبدو فیه أن الإنسان كان یری أن عصر طفولته وجهله قد ولی، وأن العهد الجدید هو بداية بلوغه، وذلك بتشكیل منظمة الأمم المتحدة وصدور میثاقها، إذ صدق الإنسان تماما أن الحروب الساخنة التي تستخدم فیها الأسلحة الفتاكة والمدمرة بین البشر قد انتهت إلی الأبد.

ولكننا ما نزال مع ذلك نشهد سماع أزیز الرصاص وهدیر القنابل المدمر، حتی إن وسائل القمع السیاسیة، وعدم التعقل في الدین والتطرف كل ذلك حاق بالعالم الإسلامي إلی درجة بحیث إننا لا نمتلك الشواهد علی السلوكیات المنطقیة والحكیمة.

إن المنظومة الأخلاقیة للإسلام برمتها والتي نعتبرها متطابقة مع الفطرة، هي منظومة تشتمل علی البنیة التحتیة العقلانیة، التي یمكن الدفاع عن كل عناصرها بالمنطق والعقل. ولقد كانت تشریعات الإسلام وأحكامه تصدر طیلة التاریخ علی أساس التفكر وهذا هو معنی الاجتهاد.

أما إن حل الجهل محل الإسلام، فسرعان ما ستنفذ في الإسلام مفاهیم أخری بدلا من العقل والتدبیر والأمل. وسنشهد التطرف والعنف ولن یعود مفهوم الحیاة ومعناها یحملان شیئا من الإنسانیة.