سلامة المرضى وتكاليف المسؤولية الطبية

TT

جهود المستشفيات لضمان مستويات عالية في سلامة المرضى لا تؤدي إلى أن يكون المرضى فقط المستفيدين الوحيدين منها، بل أيضا الأطباء وبقية الطاقم الطبي في المستشفيات، إضافة إلى المستشفيات نفسها. وفي هذا الشأن، على الأوساط الطبية التفكير بطريقة عملية في الاهتمام بالفوائد التي ستجنيها جراء التركيز على تطبيق معايير واضحة وصارمة في ضمان سلامة المرضى.

وغالبا ما ينتشر بين العاملين بالمستشفيات شعور بأن جهود برامج ومبادرات ضمان سلامة المرضى هي أعباء جانبية تثقل كاهل العاملين الطبيين، وتزيد من حجم العمل المطلوب منهم، وهو شعور ساذج في النظر إلى الأمر برمته، ذلك أن تقييم حجم عمل أي برنامج تطويري وتكاليف أعبائه يجب أن يجري بالنظر إلى حجم الفوائد المجنية منه وتكاليف خسائر عدم القيام به.

وعلى سبيل المثال، نشر الباحثون من جامعة يال الأميركية في 10 يونيو (حزيران) الحالي نتائج دراستهم المقارنة في ما بين خمس سنوات قبل وبعد بدء تطبيق برنامج لوضع معايير مقننة لتوحيد الممارسات الطبية العلاجية والتشخيصية، وتدريب الأطباء والممرضين بغية تحسين مستوى العمل الجماعي بروح الفريق ورفع مستوى التواصل، والاهتمام بتعيين مختصين عملهم التثقيف والتطبيق والمراقبة لعناصر ضمان سلامة المرضى، وذلك في مستشفى كونيكتيكت بولاية كونيكتيكت الأميركية. وجرى نشر نتائج الدراسة في «المجلة الأميركية للنساء والتوليد» American Journal of Obstetrics and Gynecology.

واهتم الباحثون في الدراسة بالمقارنة في جوانب تكاليف الدعاوى القضائية المتعلقة بالمسؤولية المهنية الطبية Medical Professional Liability Insurance والمتعلقة أيضا بسوء التصرف الطبي Medical Malpractice Insurance، وذلك قبل وبعد تطبيق تلك البرامج في أقسام تقديم خدمات أمراض النساء والولادة.

وتجدر ملاحظة أن المسؤولية المهنية الطبية وسوء التصرف الطبي هما وجهان لأمر واحد، وهو التغطية التأمينية المطلوبة في بعض الدول لممارسة مهنة الطب فيها، وأحيانا يفرق البعض بينهما على أساس أن «المسؤولية المهنية» مصطلح يستخدم في عالم التأمين، وذو طبيعة أكثر عمومية وشمولية في مخالفة تطبيق الطبيب تبعات مسؤوليته المهنية، بينما «سوء التصرف الطبي» مصطلح يستخدم في عالم القانون، وذلك في مجال ثبوت سوء تصرف الطبيب في عمله الطبي المطلوب منه، كما هو متوقع من أقرانه الأطباء.

ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن تطبيق البرامج التطويرية تلك، في سلامة المرضى، أدى إلى خفض دعاوى سوء التصرف الطبي بمقدار النصف، وأيضا خفض حاد في تكاليف دعاوى المسؤولية المهنية الطبية.

وعلق الدكتور كريستيان بيتكر، الأستاذ المشارك في النساء والتوليد وعلوم الإنجاب بجامعة يال، بالقول: «وجدنا انخفاضا بمقدار 50 في المائة في الدعاوى المتعلقة بمخالفة ممارسة المسؤولية المهنية الطبية، كما قل مقدار التكاليف المادية لتعويضات تلك الدعاوى بنسبة 95 في المائة، وذلك من 50 مليون دولار إلى ثلاثة ملايين دولار». وهو انخفاض لا يمكن إهمال أهميته في جانب توفير مزيد من السلامة للمرضى، وأيضا توفير مزيد من الخفض في الدعاوى القضائية على الأطباء والتكاليف المالية لتلك الدعوى القضائية. وأضاف ما مفاده أن ثمة تناقصا في عدد المتخصصين في طب النساء والتوليد بالولايات المتحدة، وذلك لأسباب عدة؛ أحدها التكاليف المادية للدعاوى القضائية على الأطباء، وأن نتائج هذه الدراسة تفيد أن الاهتمام بالعمل الجماعي في المستشفيات لتحقيق مستوى أعلى لسلامة المرضى يقلل من فرص حصول سوء الممارسة الطبية، وبالتالي يقلل من عدد الدعاوى القضائية وتبعاتها، وبالتالي لاحقا قد يسهم في تحفيز الأطباء للإقبال على هذا التخصص الطبي المهم الذي يشهد تناقصا في الإقبال على امتهانه.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]