مستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية

TT

إن الحقائق الجيوسياسية وروابط الدين والتاريخ، تفرض وتستوجب أن تكون العلاقات الخليجية الإيرانية في حالة من الاستقرار والأمن لمصلحة الطرفين. ولقد شهدت هذه العلاقات حالات من التوتر والصراع في فترات تاريخية معينة وحالات من الاستقرار والتعاون في فترات أخرى، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً وبالتحديد إلى ما قبل الثورة الإيرانية فلقد كان لشاه إيران أطماع في دول المنطقة وخصوصا في مملكة البحرين، حيث بلغت حدّة هذه الأطماع الإيرانية إلى مطالبة إيران للأمم المتحدة بالشروع في عمل استفتاء لشعب البحرين لتقرير المصير، وبالفعل تم هذا الاستفتاء الذي قال فيه شعب مملكة البحرين كلمته بأن البحرين عربية. بيد أن شاه إيران أصر على أن تكون لإيران مناطق نفوذ تطل على مياه الخليج العربي وبالفعل احتل الشاه الجزر الإماراتية الثلاث في مارس (آذار) 1972، التي لا تزال إيران تحتلها.

وعندما جاءت الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني عام 1979، استبشرت دول الخليج العربي خيراً بأن يعم السلام والأمن في المنطقة، وخصوصا عندما شرعت إيران في عدم الاعتراف بشرعية إسرائيل، وإغلاق سفارتها في طهران. بل وتخصيصها لدولة فلسطين في طهران، كل ذلك كانت مؤشرات تدل على أن إيران عازمة على تحسين علاقاتها بدول الخليج العربي ومع العرب بشكل عام، فبادرت كل دول الخليج العربي بالاعتراف بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، بيد أن الرياح أحيانا تأتي بما لا تشتهي السفن، إذ ما هي إلا أيام معدودة حتى كشفت هذه الثورة عن حقيقتها، وأعلن الإمام الخميني قائد الثورة عن عزمه بتصدير أنموذج الثورة الإسلامية «الشيعية» الإيرانية إلى الخارج «ونصرة المستضعفين في الأرض»، وترتب على هذه الدعوة منذ ذلك الوقت تدخل في الشؤون الداخلية الخليجية، وهو الشيء الذي يتناقض مع دعوات الثورة.

ومن أبرز التفاعلات التي ترتبت كذلك على دعوات الخميني هذه، اندلاع الحرب الإيرانية - العراقية (1980 – 1988) وما سببته من استنزاف وهدر طاقات البلدين، بصورة عبثية، ولغير صالح الأمة الإسلامية وقضاياها المصيرية، خصوصا القضية الفلسطينية.

ولسنا هنا بصدد سرد تطور العلاقات الخليجية الإيرانية منذ ذلك الوقت إلى اليوم، ولكننا بحاجة إلى معرفة آخر ما وصلت إليه هذه العلاقات في تطورها وتتنبه إليه إيران، ولعل أهمها وأخطرها هي أن إيران لا تزال لها أطماع توسعية في دول الخليج العربي بعدما حققته من توسع ونفوذ في كثير من الدول العربية، وجعلت من نفسها وصية على قضايا العرب، وخصوصا ما يحدث الآن من تدخل لها في سوريا والعراق حتى وجدت نفسها بعد الذي حدث في العراق منذ أيام عندما استولى «داعش» وثوار العشائر على الموصل وتكريت، وجدت نفسها في مستنقع لا سبيل للخروج منه بسهولة، وذلك لخصوصية الموقف في العراق وسوريا لدى النظام الإيراني.

والأهم من ذلك وهو الذي يجب أن تستوعبه إيران هو أنها إذا ما فكرت في القيام بأي عمل تجاه دول الخليج العربي، فإن ذلك يمثل زعزعة أمنها هي الأخرى، فلا تظن أن دول الخليج العربي ضعيفة، إنما يجب أن تحسب حساباتها لهذا العمل على المستوى الدولي، ولتتذكر ما حدث لها عندما أرادت أن تقوم بمحاولتها العدوانية ضد مملكة البحرين بالتحالف مع الخلايا النائمة «لحزب الله البحريني» في 14 فبراير (شباط) 2011 وكيف خسرت علاقاتها مع كل دول الخليج العربي بسبب هذا العمل، وأدخلت علاقاتها مع دول الخليج في حالة من التأزيم والاحتقان اللذين ما زالا هما سيد الموقف السياسي في المنطقة. ومن قبل كيف قبلت على مضض وقف القتال مع العراق، وخرجت من حربها مع العراق والتي استمرت قرابة العشر سنوات وهي خالية الوفاض.

هل تعيد إيران تقيم كل سياستها الخارجية هذه مع دول العالم؟ ألم تتذكر إيران أنها وقعت منذ فترة ليست بالطويلة تحت طائلة عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية من قبل دول 5+1 بسبب برنامجها النووي المخصب، وبعدها تم جرها إلى طاولة المفاوضات مع هذه الدول الكبرى لكي تتنازل عن كل ما قامت به وما صرفت عليه من مقدرات الشعب الإيراني، الذي هو الآن في حالة يرثى لها؟ ماذا بقي بعد؟ بقي شيء واحد نقوله لإيران: أليس من الملح أن تعمل إيران على إيجاد مخرج يصلح ما قامت به، ويعيد للمنطقة وشعوبها الأمن والاستقرار، والازدهار والتقدم؟

* أكاديمي وكاتب بحريني