سخرية الجيش الأميركي المستمرة من الأميركيين الأصليين

TT

ظل اسم فريق ريد سكنس «الهنود الحمر» يتردد مدا وجزرا عبر السنين، ولكن بفضل رسائل من خمسين نائبا وجهت إلى مالك الفريق دان سنايدر، ضمن جهود أخرى، جاء قرار مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي مؤخرا بإلغاء تسجيل العلامة التجارية للفريق، مع تجدد الحملة المنادية بالتخلص منه.

وتجاهل سنايدر الشكاوى حول الاسم، بل وادعى أن اسم «الهنود الحمر» هو «شارة شرف». أما رئيس الفريق بروس ألن الذي يحتج كثيرا فيقول إن الاسم «كان محترما دائما، وأظهر توقيرا لإرث تقاليد السكان الأميركيين الأصليين».

لكن يبدو أن الزخم أخذ يزداد ضد المحافظين. وقرار العلامة التجارية، يبدو وكأنه انتهاك لحقوق حرية التعبير، لكنه يؤكد وجود درجة من الضغط في جميع الأحوال. وبُث إعلان معارض للاسم خلال نهائيات بطولة الرابطة الوطنية لكرة السلة وسط ضجة كبيرة. وانتقد لاعبو الرابطة الوطنية لكرة القدم الحاليين والسابقين الاسم. وليس مستغربا أن العديد من القبائل والمنظمات الهندية لا تشارك ألن تفسيره، وكل ذلك لخير. ولكن حتى لو اتفقت الرابطة الوطنية لكرة القدم وفريق ريد سكنس على تغيير الاسم، فإن قدرا كبيرا من الظلم الرمزي سيتواصل ضد الهنود، وهو ظلم لم يدمه فريق كرة قدم فحسب، بل حكومتنا الفيدرالية كذلك.

نجد أسماء في الولايات المتحدة الأميركية اليوم مثل أباتشي وكومانشي وشينوك ولاكوتا وشيان وكيووا لا تطلق على قبائل هندية فقط، بل على مروحيات عسكرية أيضا. وحتى «بلاك هوك» هو اسم لزعيم قبيلة ساووك الهندية. وهناك أيضا توماهوك وهو صاروخ منخفض الارتفاع، كما أطلق اسم زعيم هندي على إحدى الطائرات من دون طيار (الدرون) «غريي إيغل». وكانت عملية «غيرونيمو» هي نهاية زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.

لماذا نسمي معاركنا وأسلحتنا على أسماء أناس قهرناهم؟ للسبب ذاته فريق واشنطن هو الهنود الحمر، ومدينتي هي «ريد سوكس» (الجوارب الحمراء) تذهب إلى كليفلاند لتلعب في مواجهة الهنود وإلى أتلانتا لتلعب أمام البريفرز (الشجعان): لأن أسطورة الخصم الأصلي المعتبر مقبولة أكثر من الواقع – لم تكن قبائل هذه الأرض التي هُزمت خصوما بل ضحايا، خدعوا وجرى التفوق عليهم بقوة السلاح بشكل يستحيل عليهم مواجهته.

إن إبادة الهنود الحمر كانت حربا لا متماثلة فاقمتها المراوغة باسم «مانفيستو مصير الإمبراطورية». وقامت أميركا البيضاء في سبيل فرض سيطرتها بإطلاق النار على الناس وسجنهم وبالكذب والاحتيال والوعظ والشراء والبناء والتصويت. وما تسمية أسلحتنا القوية وحملات انتصاراتنا بمن قهرناهم سوى تخفيف لعبء ذنبنا، وهو خلط للانتهاك بالقتال العادل.

إنه أسوأ من الإنكار، إنها الدعاية. الرسالة التي تحملها كلمة أباتشي التي أطلقت على إحدى أقوى آليات القتال في التاريخ، هي أن الأميركيين تغلبوا على خصم قوي للغاية، وصحيح أننا نفخر بأخذ اسمه. لقد اختبروا همتنا وأثبتنا أننا أقوى فلا تعبثوا معنا. فمهما كانت المقاييس التي ينسب بها الفخر للقتلى، فهي بصورة أكبر تقوي شعورنا الوطني بالتفوق. ولا يشترك المواطنون الأميركيون فقط في رسالة التفوق هذه، بل كذلك هناك 14 أمة تشتري حكوماتها مروحيات الأباتشي. ويشترك فيها كذلك من يسمعون أزيز مروحيات الأباتشي فوق رؤوسهم، أو من يجدون أنفسهم أهدافا لتدريب مدافع الأباتشي. عرّف اللغوي نوم كومسكي الأبعاد الأخلاقية في كلمات مستفزة ودالة: «قد يكون لنا رد فعل مختلف إن أُطلق على الطائرات المقاتلة لسلاح الجو الألماني (لوفتواف) أسماء (يهودي) و(غجري)».

إن لم تتوفر للقبائل الأصلية فرصة، فلا يعني هذا عدم المقاومة أو عدم الشجاعة، فبغض النظر عن كل شيء، لا يهم ذلك كثيرا في هذا السياق، فمهما كان قدر الشجاعة لديهم، فالجيش الأميركي ليس وريثهم في ذلك. وإن كان الشرف يهم منسوبي قواتنا المسلحة فسيوافقون على ذلك.

وقد يوجه النواب الذين أغضبهم اسم ريد سكنس «الهنود الحمر» أقلامهم المرة المقبلة نحو وزارة الدفاع. وعندما يحدث ذلك تأتي الخطوة الأكثر أهمية عندما يختار أولئك النواب وناخبوهم ألا يكتفوا بالشعور بالإهانة نيابة عن الهنود الحمر، بل أن يكونوا شركاء في تحسين حياتهم. فقد حل محل الحرب والإبعاد القسري معدلات البطالة العالية والفقر وتعاطي المخدرات والأمراض والإعاقات، نتيجة للسكن والتعليم غير الملائمين وجرائم الكراهية ومضايقات الشرطة والحرمان من حق التصويت والتمييز العنصري الفاعل. أن تكون أميركيا أصليا فهذا يعني في المتوسط أن تكون أقل بأكثر من أربع سنوات من بقية الأميركيين. ويتواصل العنف حتى وإن صمتت المدافع. إذن غيروا اسم الفريق ولكن لا تتوقفوا عند ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»