مهلا مونيكا.. أبيت اللعن

TT

التفاصيل هي شغل الباحثين الجادين، والشياطين أيضا.. أما الذين يطيرون على قلق الاستعجال وريح الاستسهال، فلا وقت لديهم للتفحص والتأمل وتقليب الحطب على النار.

هي صورة تصنع صناعة عن شخص أو شعب أو لون أو دين أو جنس، ثم تروج وتستهلك، ويصبح من العسير، إن لم يكن المستحيل، الفكاك منها.

كم من صورة شائعة ومستقرة في وجداننا عن شجاعة شخصية ما أو جبنها أو كرمها أو بخلها، وفائها أو غدرها، هي أقرب للمجاز الشعري منها للواقع الفعلي.

لا وقت للتفاصيل، أعطنا صورة محددة واضحة.. ودعنا معها، ولتذهب الحقيقة للجحيم.

ربما يصبح من التكلّف أن تطالب الإنسان بالتخلي عن طبيعته، ولكن الأمر يصير خطيرا حين ينبني على هذه الصور النمطية تصرفات جنائية وخلاصات مضللة تؤدي لسياسات كارثية.

أن تصبح لديك أوهامك الخاصة عن الشخصيات والتاريخ والأمم والطوائف الأخرى، فهذا شأن يخصك، حبذا لو اجتهدت في فحصه وتمحيصه، ولكن حين ترتب على أوهامك هذه سياسات علنية، فلا، هنا تصبح أوهامك تهما. هناك شعوب كاملة وصفت بالبخل، مثل الأسكوتلنديين، وأديان وصف أتباعها بإتقان المكر والغدر والبخل أيضا مثل اليهود، ومن وصف بالدموية والشهوانية والتزمت أيضا مثل المسلمين في الدعايات الغربية التقليدية القديم منها والجديد.

النساء وصفن عن الرجال بالحمق والعاطفية والخرق، والرجال عند النساء بالقسوة والجلافة والجشع.

على ذكر النساء فقد كان مؤثرا كلام المتدربة الأميركية الأشهر في التاريخ مونيكا لوينسكي، التي تحدثت مؤخرا عن معاناتها من هذا التنميط الخالد الذي لحق بصورتها، وقالت كما جاء في مقابلة تلفزيونية إنها «أكثر امرأة تعرضت للإهانة في العالم».

وقالت لوينسكي: «كنت أكثر امرأة تعرضت للإهانة في العالم، أن أوصم بأنني غبية وعاهرة وخرقاء كان الأمر مؤلما جدا». وكسرت لوينسكي، كما جاء في تقرير لـ«العربية نت»، صمتها في مقالة بمجلة «فانيتي فير» قالت فيها إنها «عازمة على أن تكون هناك نهاية مختلفة لقصتها».

هل تفلح مونيكا في معاندة أسلوب تنميط الشخصية حين لم يفلح قبلها أحد في ذلك؟!

في القصص العربي أن ملك الحيرة النعمان بن المنذر كان له نديم اسمه الربيع بن زياد العبسي، وكان هذا معاديا لبني كلاب، رهط الشاعر لبيد بن ربيعة، وحرّض الملك عليهم، فلما بلغ هذا القوم احتاروا، وكان لبيد غلاما في رحالهم، فقال: أدخلوني على النعمان، فدخل والربيع بجوار الملك. وكان الغلام لبيد قد حلق نصف رأسه، وأنشد مقطوعته الشهيرة التي منها البيت القبيح:

مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه..

وفيها تعريض بنظافة الربيع الجسدية. فتأفف النعمان من مؤاكلة نديمه، ولم تفلح محاولات الربيع في العودة لسابق الود، وتكذيب الغلام لبيد، وقال النعمان للربيع:

قد قيل ذلك إنْ صدقا وإنْ كذبا

فما اعتذارك من قول إذا قيلا!

الناجي من تحرر من هذه الشباك المبرمة.