ما علاقة التلفزيون بالوفيات؟

TT

أثارت دراسة إسبانية حديثة تساؤلات عدة حول التأثيرات الواقعية لارتفاع عدد ساعات مشاهدة التلفزيون يوميا على ارتفاع احتمالات الوفاة المبكرة، وكانت دراسات طبية سابقة قد لاحظت وجود علاقة سلبية بين ارتفاع عدد ساعات الجلوس لمشاهدة البرامج التلفزيونية وبين ارتفاع احتمالات الإصابة بالسمنة ومرض السكري، ولكن هذه الدراسة مختلفة بشكل لافت للنظر في نتائجها ودلالات تلك النتائج، وقد شملت دراسة الباحثين أكثر من 13 ألف شخص من البالغين الإسبان وجرت متابعتهم لمدة تفوق ثماني سنوات، وجرى تحديدا استبعاد أي شخص لديه مرض السكري أو أحد أمراض القلب أو لديه أي نوع من الإصابات السرطانية. وكان الهدف مقارنة خطورة الإصابة بالوفاة المبكرة بالمدة الزمنية التي يقضيها الشخص في الخمول والكسل البدني أثناء الجلوس لمشاهدة البرامج التلفزيونية أو عند قيادة السيارة أو للعمل على الكومبيوتر.

وتميز أولئك الأشخاص المشمولون بالدراسة أنهم على مستوى عال من التعليم، وأنهم من الأشخاص النشيطين بدنيا في ممارسة الحركة والتنقل، وأنهم كذلك من الأشخاص النحيفين في أوزان أجسامهم، وأيضا ممن متوسط أعمارهم هو 37 سنة؛ أي أشخاص مثاليون تقريبا كي يكونوا مشاركين في دراسة تحاول كشف حقيقة تأثيرات الجلوس لمشاهدة البرامج التلفزيونية، وهذا الأمر من العناصر القوية في مشروع الدراسة الإسبانية هذه باعتبار أن المشمولين فيها غير متقدمين في العمر وغير سمينين وغير خاملين بدنيا وعلى مستوى عال من التعليم.

وقاد البروفسور ميغيل مارتينيز غونزالز، أستاذ الطب الوقائي بجامعة نافارا في بنبلونة عاصمة منطقة نافارا الإسبانية. ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن أولئك الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميا في مشاهدة البرامج التلفزيونية، تتضاعف لديهم احتمالات الإصابة بالوفاة المبكرة، وذلك بالمقارنة مع أولئك الذين يقضون أقل من ساعة واحدة في اليوم لمشاهدة البرامج التلفزيونية. ووفق ما ذكره موقع المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة NIH))، فقد نشرت نتائج الدراسة في عدد 25 يونيو (حزيران) لمجلة رابطة القلب الأميركية Journal of the American Heart Association.

الباحثون حاولوا المقارنة بين ارتفاع احتمالات الوفاة المبكرة وبين قضاء الوقت بالجلوس لمشاهدة التلفزيون أو العمل على الكومبيوتر أو القيادة، ولكنهم لم يجدوا علاقة بين الوفاة المبكرة وبين الجلوس لقيادة السيارة أو الجلوس للعمل على الكومبيوتر، بخلاف الجلوس لمشاهدة البرامج التلفزيونية. وهذا ما دفع البروفسور غونزالز للقول: «هذا مثير للدهشة». ولاحظ الباحثون تحديدا التأثير الصارخ لقضاء الساعات في مشاهدة البرامج التلفزيونية، على حد قولهم، ذلك أن لكل ساعتين إضافيتين يقضيهما المرء في مشاهدة التلفزيون يوميا، هناك ارتفاعا بنسبة 44 في المائة لاحتمالات الوفاة بأمراض القلب، وارتفاع بنسبة 21 في المائة لاحتمالات الوفاة بأحد الأمراض السرطانية. وترتفع نسبة احتمالات الوفاة المبكرة لأي سبب من الأسباب إلى مقدار 55 في المائة، وذلك مقارنة مع أولئك الأشخاص الذين يقضون أقل من ساعة واحدة في مشاهدة البرامج التلفزيونية يوميا.

والسؤال الذي طرحه الباحثون على أنفسهم هو: هل معقول أن يقع مثل هذا على الإنسان بسبب جلوسه ساعات عدة لمشاهدة البرامج التلفزيونية؟ وهم، ووفق ما قاله البروفسور غونزالز، أصابتهم الدهشة من هذه النتائج لدرجة الشك في صحتها، لولا أنهم هم الذين صمموا برامج الدراسة، وقاموا بتنفيذها وتابعوا دقة إجرائها ودقة تحليل المعلومات في نتائجها. وعادوا للتساؤل: هل السبب الممارسات الحياتية والسلوكية خلال فترة مشاهدة التلفزيون مثل الأكل والشرب، أم هي تأثيرات متابعة المتغيرات التي تحتوي عليها البرامج التلفزيونية؟ وقد دفعتهم دهشتهم لاستثناء الوفيات التي حصلت خلال السنوات الثلاث الأولى من مدة متابعة الدراسة للأشخاص المشمولين فيها، باعتبارها احتمالا أن تكون الوفيات خلال السنوات الثلاث الأولى لا علاقة لها بنشوء تأثيرات صحية نتيجة طول مدة ساعات مشاهدة التلفزيون يوميا، أي تقييم نتائج قضاء المرء ثلاث سنوات وأكثر من مشاهدة البرامج التلفزيونية لمدة ثلاث ساعات أو أكثر يوميا. ولكن هذا الاستثناء أتى بنتائج غير متوقعة وكشف عن قوة تأثيرات هذه الممارسة السلوكية في الحياة اليومية على ارتفاع احتمالات الإصابة بالوفاة المبكرة في السنوات التي تلي تلك السنوات الثلاث الأولى، أي كلما زاد عدد السنوات ارتفعت احتمالات خطورة الوفاة المبكرة.

ومرة أخرى تساءل الباحثون عن مدى صحة التأثيرات الخالصة من الشوائب لطول ساعات مشاهدة التلفزيون يوميا، وأحد الشوائب تلك ربما ارتفاع احتمالات زيادة تناول المرء للمقرمشات ومشروبات الكولا المحلاة وكثرة تناول السندويتشات وغيرها من الأطعمة خلال مشاهدة البرامج التلفزيونية، ولكنهم أيضا لم يجدوا أن ارتفاع الوفيات المبكرة كان مختلفا بين من يكثرون من تناول تلك الأطعمة والمشروبات خلال مشاهدة التلفزيون وبين من لا يمارسون ذلك.

والسؤال: هل يمكن أن تتوافر دراسات تقيم مدى التأثيرات الصحية لتناول المرء جرعات يومية من مشاهدة «كوكتيل» تلفزيوني؟ أي «الكوكتيل» المكون من برامج إخبارية بكل ما فيها من متغيرات ذات تأثيرات مفرحة أو محزنة يتنقل المرء خلالها عبر قارات العالم، ثم مشاهدة فيلم درامي يأخذ الشخص إلى متاهات من المعاناة والعذابات الخيالية، ثم تغيير ذلك إلى الخيال العلمي الحقيقي الذي يجعل المرء يشعر أنه في الفضاء الخارجي ومقيم في كوكب المريخ، ثم متابعة حفلة ساهرة لأحد البرامج الغنائية ومكوناتها الترفيهية.