كيف يمكننا أن نتبع خلافة الإسلام التي أعلنت عن ذاتها؟

TT

تذكرني الأيام الحالية بقصيدة تحمل مثلا عميقا تقول:

أمور يضحك السفهاء منها

ويبكي من عواقبها الحكيم

وفي بعض الروايات: الحليم أو اللبيب. في الحقيقة، ليس فقط الحكيم هو من يبكي من تلك الأمور وعواقبها، بل يبكي الناس العاديون أيضا. دعوني أخبركم بقصة؛ ذهبت لزيارة صديق لي في المستشفى، وأثناء الطريق الطويل إلى شمال شرقي لندن، كنت أتحدث مع السائق، وهو شيء أفعله في أغلب الأحيان. كان من الصومال.

قال أبو بكر (السائق): لا يمكنك أن تتخيل أسلوب الحياة في الصومال، إنها ليست بالحياة، بل هي موت مروع، حيث ننتظر أن يقع أمر سيئ طوال الوقت.

وأضاف أبو بكر: «انظر إلى سوريا وأفغانستان والعراق. لماذا نقتل (نحن المسلمين) بعضنا بعضا؟ إن ديننا دين حب ورأفة، ونقول: السلام عليكم. واسمنا مسلمون، لماذا إذن يُقتل أبي وأخي باسم الإسلام؟ كان كلاهما مسلما، ويؤديان الصلاة والصوم. وكان حلم أبي أن يزور مكة والمدينة، ولم يكذب قط طوال حياته».

أبو بكر ليس الوحيد؛ ففي لندن، عندما تنتقل بواسطة تاكسي أو سيارة أجرة، وتتحدث مع السائق، إذا وجدته قادما من العراق أو أفغانستان أو سوريا أو دول أخرى في المنطقة، يمكنك أن تسمع قصصا غريبة عن أوضاع الحياة الراهنة في منطقتنا.

يمكنك أن تكتسب معرفة حقيقية بما يحدث هناك بالفعل من هؤلاء الرجال. إنها أخبار من مصدرها المباشر.

طلبت مني زوجتي أن أذهب واشتري لها خبزا أفغانيا طازجا! فذهبت إلى الخباز، الذي كان في منتصف العمر، ويدير مع زوجته وابنه مخبزا. ذكرني مخبزه بطفولتي في قريتنا، كان من الممكن في تلك الأيام أن نشم رائحة الخبز في قريتنا. في الصباح الباكر، عندما كنت أذهب لجلب الماء من ينبوع في القرية، كنت أستطيع شم رائحة الخبز من جميع المنازل.

أخبرني صانع الخبز الأفغاني أنه رأى فجأة الليلة الماضية، صورة لبعض الأشخاص الذين جرى قتلهم وصلبهم في حلب بسوريا. لماذا يفعلون ذلك؟ لماذا لا ينتبهون لاسمنا كمسلمين في العالم؟ كيف يمكنني أن أنظر في عيون الناس وأخبرهم أننا مسلمون؟

كما كتبت في مقالي السابق، المشكلة هي أن يقتل البشر بشرا باسم الله أو باسم الدين. في القرن العشرين، قُتل أكثر من 100 ألف شخص باسم الشيوعية أو الاشتراكية أو النازية أو العلمانية. وحاليا في العالم الإسلامي، نشهد فواجع من قتل وذبح وصلب وقطع لأيادي الأطفال باسم الإسلام، ولعب كرة القدم برؤوس القتلى.

تأتي الذروة المأسوية لتلك الأحداث في إعلان قيام الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق. وكما تعلم، كان حلم بن لادن والظواهري و«القاعدة» إقامة خلافة إسلامية في العالم. ولكن كان كل ما حققوه هو نظام طالبان في أفغانستان. وكان الملا عمر خليفتهم، وكان يلقب نفسه بأمير المؤمنين.

والآن بعد تلك التجربة الكارثية، ظهرت خلافة إسلامية جديدة في العراق. ويكرر التاريخ ذاته، ولكن كلا الوجهين مأسوي. دعونا ننسَ طالبان في أفغانستان، ونفكر في شأن الخلافة الإسلامية الجديدة في العراق.

كيف يمكنهم تبرير وجود حكومتهم الإسلامية؟

منذ ما يزيد على ألف سنة، عرف الفيلسوف الإسلامي العظيم ابن سينا خصائص الخلافة الإسلامية والإمام في الفصل الأخير من الإلهيات في كتاب «الشفاء». أريد أن أركز على نقطتين مهمتين للغاية:

1- ما الآية أو الحديث أو التراث الإسلامي الذي يستطيع «مجاهدو» «داعش» أو «القاعدة» وغيرهم، كمسلمين، تبرير تدمير الكنائس في سوريا أو العراق على أساسه؟

الكنسية مقدسة مثل المسجد أو المعبد؛ فجميعها أماكن للصلاة إلى الله. وتكمن القدسية في صميم كل واحد منها.

أطلق البابا فرنسيس مبادرة كبرى لمد الجسور بين جميع الأديان الإبراهيمية؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، وذلك بعقد اجتماع في الفاتيكان، ولأول مرة في التاريخ، يتلو رجل دين مسلم القرآن في الفاتيكان. لماذا لا يذهب أئمتنا إلى الكنائس والمعابد للصلاة، والمشاركة فيها، وإظهار أن الدين لا يبرر قتل الآخرين؟!

نحن نسبح الله ونتلو آياته.

ولكن في الوقت الحالي، يتغلب صوت البنادق والتفجيرات على كل شيء.

2- كما يقول ابن سينا، إن المعيار الذي نقيس به الخلافة الإسلامية هو المنطق الخالص. ويصف خصائص الخليفة والإمام قائلا: «وإنه أصيل العقل حاصل الأخلاق الشريفة من الشجاعة والعفة وحسن التدبير، وإنه عارف بالشريعة حتى لا أعرف منه». (كتاب «برهان الشفا» ص 159، مكتبة الرواق).

إذا قرأت، على سبيل المثال، الكتاب الذي يتحدث عن الزرقاوي وخليفته، يمكنك أن تكتشف أصول الكارثة التي نشاهدها الآن في العالم الإسلامي.