نفتح الشباك أم نغلق الشباك؟!

TT

بات واضحا أن هناك تمهيدا بناء على طلب المشاهدين، لتدخل السلطة التنفيذية لتنقية ما تعرضه الفضائيات المصرية من برامج ومسلسلات، الدولة فعلتها قبل أشهر قليلة ووجد هذا الأمر ترحيبا من الرأي العام بعد مصادرة فيلم «حلاوة روح» وإيقاف التصريح بعرض فيلم «نوح»، الغريب أن عددا من الفنانين والمثقفين كانوا في طليعة من باركوا هذه الخطوات.

ليس مستبعدا الآن أن يمتد الأمر من الشاشة الكبيرة إلى الصغيرة وسط ترحيب من الرأي العام، يرى أن هذا هو دور الدولة لتصبح هي الحارس الأمين المنوط به تنقية ما تبثه الفضائيات ويصفه البعض بالخلاعة وفي أحسن الأحوال بالدلاعة.

تلفزيون الدولة الرسمي مؤخرا مارس دوره الرقابي وحذف بعض جمل حوار ولقطات من حلقات في مسلسل «سجن النساء» رغم أنها كانت تعرض في نفس الوقت كاملة ودون حذف في الفضائيات المجاورة، فهل المنع صار مجديا؟ مع الأخذ في الاعتبار أن الإعلام الرسمي تضاءلت كثيرا كثافة مشاهدته بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو.

الدولة تملك توجيه التلفزيون الحكومي وحذف ما تراه، ومن الممكن أن تملي إرادتها أيضا على جزء من القطاع الخاص الفضائي؛ ولكنها من المؤكد لن تستطيع فرض سيطرتها على كل القنوات العربية، من المعروف مثلا أن الأزهر لم يرحب قبل عامين بعرض مسلسل «عمر» لأنه لا يقر بتجسيد الخلفاء الراشدين على الشاشة بينما المسلسل شاهده الملايين على قناة «إم بي سي» العربية.

الأمر بالطبع مختلف هذه المرة بعد أن لاحظنا أن هناك مفردات كثيرة تسللت واستقرت في الأعمال الفنية وتقدم ضمن السياق الدرامي باعتبارها طقسا اعتياديا في التعامل اليومي، زادت أيضا مساحة المشاهد التي كنا في الماضي نصفها بالجرأة، تجاوزت الآن هذا التوصيف، وبالعدوى انتشرت وهي في الحقيقة ليست وليدة هذا العام، لو عدت أربع سنوات إلى الخلف در لاكتشفت أنها منذ ذلك الحين صارت مستقرة على الشاشة.

المجتمع بتكوينه مهيأ لكي يرحب بفرض رقابة على تلك المشاهد وعدد من الهيئات والمنظمات الاجتماعية أعلنت بوضوح اعتراضها بل واستهجانها لما يقدم على الشاشة في رمضان، هل التدخل الرقابي هو الحل؟ علينا أن نثق بأن ذائقة الناس قادرة على الانتقاء، هناك عشرات من الأعمال الفنية ومئات من القنوات إذا أغلقت واحدة أو سيطرة الدولة على خمس أو عشر فما الذي سوف تفعله وحولها مئات تعرض نفس العمل الفني. زمن المنع الحصري انتهى وصرنا في زمن «الريموت كنترول» الذي يعني حرية المشاهد في التنقل بين القنوات المختلفة فهو الذي يحدد ما الذي يريده، في العام الماضي ولأول مرة على الشاشات العربية قرأنا تحذيرا فوق 18 سنة يتصدر مسلسل «موجة حارة» بطولة إياد نصار، حيث تخلل المسلسل مشاهد تعاطي مخدرات وتعذيب، وفي نفس الوقت كان صناع المسلسل حريصين على أن يمنحوا المشاهد حقه القانوني في التحذير.

عندما صادرت الدولة قبل ثلاثة أشهر فيلم «حلاوة روح» بطولة هيفاء وهبي بحجة وجود مشاهد جنسية، في المقابل وعلى أرض الواقع زادت معدلات مشاهدة الفيلم عبر الـ«يوتيوب» فاقت كل التوقعات، رغم أن الفيلم عند عرضه تجاريا لم يصمد أكثر من أسبوع وتهاوت إيراداته تماما وقتها، علينا أن نثق أكثر في قدرة المشاهد على الاختيار ولا نسارع بحس الدولة على التدخل الرقابي فنؤدي إلى ذيوع وانتشار ما أردنا منعه، المصادرة صارت مع الزمن سلاح «فشنك»!