التحدي الحقيقي أمام هيلاري كلينتون

TT

اعتبر هذه الفرضية حول الانتخابات الرئاسية الحديثة: كلما صوت الناخبون الأميركيون لانتخاب رئيس جديد، فإنهم يختارون شخصية جنبا إلى جنب مع البعد الحساس، لذا فإنه يكون شخصا مناقضا لفرضيته الضرورية. وتتناسب الفرضية الضرورية لشاغل المنصب الحالي، كما سأصفها دوما، مع التاريخ الحديث، وربما تكون صحيحة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنها تفرض تحديا حقيقيا للمرشح الديمقراطي المقبل، حتى لو كان هذا المرشح هيلاري كلينتون نفسها.

في العصر الحديث يبدو أن كل الانتخابات الرئاسية تؤيد تلك الفرضية. ففي عام 1960، خاض جون ف. كيندي الانتخابات ضد الشاب القوي دوايت أيزنهاور، ممثل الجيل الجديد. وجاء ريتشارد نيكسون، الذي كان يؤكد على تيمة «القانون والنظام»، خلفا لليندون جونسون، والذي عرف عنه إطلاقه للقوى الاجتماعية المسؤولة عن التمرد والعنف.

ثم جيمي كارتر، مزارع الفول السوداني من جورجيا، والذي كان مثالا للنزاهة، مقابلا لنهج ريتشارد نيكسون. ثم جاء رونالد ريغان الذي هزم كارتر بذات الخصائص التي افتقر إليها الأخير: حيث كان حاسما، ومتفائلا، ومدافعا شرسا عن مصالح الولايات المتحدة. متعهدا بوضع الشعب أولا، جاء بيل كلينتون ليصم جورج بوش الأب بالإقصاء، وكبر السن، واللامبالاة، والبعد عن الجماهير. وفي صفعة ليست بالخفية لسنوات حكم كلينتون، وصل جورج بوش الابن متعهدا باستعادة الشرف والكرامة إلى رئاسة الجمهورية. ومن جانبه، خاض باراك أوباما غمار الانتخابات الرئاسية بوصفه من أشد المعارضين للحرب على العراق، محاولا أن يحل محل ردود الفعل الغريزية لجورج بوش بمنهاج للحكم يتسم بالحذر، والتأني، والشمولية.

في العقود الأخيرة، كان الاستثناء الوحيد لذلك النمط هو انتخاب جورج بوش الأب، نائب رونالد ريغان وقتها. غير أن بوش نال النجاح جزئيا من خلال النأي بالنفس عن رئيسه، واعدا الجماهير بأميركا «أكثر لطفا ووداعة»، مؤكدا على الصفات الشخصية التي قد تميل إلى تأرجح توجهات الناخبين وبعض من أشد منتقدي ريغان.

وبقدر ما تنطبق فرضية المخالفة على رؤساء الولايتين المتتاليتين، فإنها يمكن ربطها بنمط آخر، وهو انخفاض الشعبية الرئاسية خلال فترة الرئاسة الثانية. وقد حدث ذلك مع هاري ترومان، وأيزنهاور، وجونسون، ونيكسون، وبوش (ويعتبر ريغان وكلينتون استثناء للقاعدة سالفة الذكر؛ ويبدو أن خطوط توجهات أوباما تتسق مع الأغلبية). ويبدو أن ذلك يفسر السبب وراء دعم الناخبين الأميركيين للمرشح الرئاسي الذي يبدو، من حيث المناحي الحاسمة، مضادا للفرضية الضرورية.

لذلك تعتبر الفرضية المخالفة معقولة نوعا ما، ولكن هل هي صحيحة؟ ليس من السهل القول بذلك، فإن ذلك يتوقف على حجم العينة الصغيرة - مجرد ثماني انتخابات رئاسية منذ عام 1960. وهناك العديد من الخصائص التي تفصل المرشحين الثمانية عن بدلائهم؛ ومن الخطر الزعم بأن أيا منهم يعتبر مرشحا عرضيا. فالفائز في المعتاد يكون أصغر سنا من شاغل المنصب، كذلك، يتمتع بشعر داكن، لكننا قد نتردد في الاستنتاج أن صغر السن، أو الشعر الداكن، قد يجعله ينجح في الانتخابات الرئاسية. يمكننا القول أيضا إن ما يهم أكثر هو الانتماء إلى الحزب السياسي المنافس. فمنذ عام 1960 كان المرشحون الفائزون بدورتين رئاسيتين متتاليتين من تلكم الفئة (يعتبر جورج بوش الأب هو الاستثناء الوحيد).

في ضوء ما تقدم، فإن الفرضية المخالفة لشاغل المنصب لا يمكن اعتبارها من الحقائق الراسخة، كما لا يمكن استبعادها كذلك. فحينما تنخفض شعبية الرئيس ذي الولايتين المتتاليتين، يهتم الناخبون المتأرجحون على وجه الخصوص بالمرشحين الذين، بطريقة أكثر أهمية، يمثلون الحزب المنافس. ويعد ذلك تحذيرا للمرشح الديمقراطي المحتمل، بمن في ذلك السيدة هيلاري كلينتون - ويعتبر في الوقت ذاته درسا مهما للمرشحين الجمهوريين.

بالاتفاق مع «بلومبيرغ»