العروبة تنتحر

TT

«إنها العروبة تنتحر لأسباب طائفية». جملة موجزة للغاية نطق بها الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية في مملكة البحرين، ضمن كلمة ألقاها في حشد من أطياف ومكونات المجتمع البحريني، وكان يعلق بها على ما يجري في سوريا والعراق، ورغم أنها لم تتخط الكلمات الخمس، فإنها عكست طابعا عروبيا أصيلا وقراءة متأنية للوضع ورؤية شمولية للأخطار المترتبة على ما يجري في المحيط الإقليمي، ولم تكن هذه الكلمات إلا تعبيرا عن الوضع الذي أصبحت عليه المنطقة، وهو وضع دامٍ ومتوتر، يعكس حالة من التمزق للدرجة التي يمكن معها استدعاء ما قاله الشاعر العربي إبراهيم اليازجي:

تَنَبهوا وَاستفيقوا أَيُّها العَرَب

فقد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ

فيم التعلُّلُ بالآمالِ تَخدَعُكُم

وَأَنتُم بَينَ راحاتِ الفَنا سلُبُ

الخطورة هنا تتمثل بالقيمة الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، التي تجعلها ساحة صراع على المصالح ما دامت تمثل رقما مهما على خريطة الطاقة في العالم، باعتبارها مركزا حيويا لتلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط، وهو أمر رفع من قيمتها في دائرة الصراع والنفوذ، ودفع بها في الوقت ذاته إلى أتون كثير من المشكلات، التي باتت تهيمن على الشرق الأوسط ككل.

هذه مبادئ يجب الاتفاق عليها، ما دمنا نتناول حالة الاحتقان والتوتر التي باتت تشهدها سوريا والعراق من تمزق ومنازعات ودخول قوى متطرفة حديثة النشأة على الخط، لكنها أصبحت تمثل خطرا على سيادة هذه الدول، وهو أمر فرض معادلات أخرى في إدارة الصراع، بحيث برزت ورقة الطائفية التي تشكل خطرا ينذر بتشتت أي مجتمع، خاصة حين يكون نابعا من داخل المجتمع ذاته في حالة أشبه بالانتحار السياسي إن لم يكن الوجودي.

ولأنها منطقة ذات قيمة استراتيجية عالية، فمن الطبيعي أن تكون أحداثها ذات مغزى وبدرجة خطورة تتناسب مع هذه الوضعية، في ظل ما أصبحت عليه إدارة الصراعات في العصر الحديث، التي تتجه إلى ما هو أبعد من المدفع والدبابة والطائرات المقاتلة، وإنما صارت تعتمد على التلاعب بورقة المعتقدات والآيديولوجيات والمصالح، ما يجعل في الإمكان ضرب أي مجتمع بشكل أشبه بعملية انتحار ومن دون أي تكلفة تتحملها القوى المتآمرة.

لقد أصبح الكل من أبناء منطقتنا يستشعر الخطر الذي بات قريبا ويهدد كياننا كأمة، وهو ما يفرض علينا أخذ الاحتياطات والاحترازات التي تحمي نسيجنا الاجتماعي، وأولها العودة إلى ثوابتنا التي تشكل الحصن الحصين، فضلا عن العمل على زيادة قدراتنا على التحدي والتصدي للأخطار لتبقى العروبة مظلتنا، فنحن أمة ذات إرادة وإمكانات ومقومات الوحدة، وثقتنا في هويتنا وقيمتنا على الساحة، أساس تعاملنا مع القوى الإقليمية والدولية، فالعروبة بوابتنا للعالم، فلا تجعلوها عرضة للانتحار بنار طائفية.

* كاتب بحريني