روح الفكاهة عند الفراعنة (1)

TT

مما لا شك فيه أن النكتة وروح الفكاهة كانا جزءا أصيلا من نسيج ومكونات المجتمع المصري خلال العصر الفرعوني. ويبقى السؤال عن حال المجتمع المصري المثقل بالهموم في العصر الحديث.

ففي العصر الفرعوني كانت روح الفكاهة هي المسيطرة على نفسية المصريين فتندروا على كل شيء حتى على أنفسهم وأعمالهم والأوضاع السياسية في فترات معينة عندما تنقلب الأحوال وتتبدل. واستغل المصريون أوقات فراغهم فكتبوا النكتة المصورة على قطع من الأحجار اللينة كالحجر الجيري، أو على الفخار فيما يعرف بأنه البداية الأولى لفن الكاريكاتير الفكاهي في عصرنا الحديث. ولم تخلُ كذلك جدران المقابر من بعض إبداعات فن الفكاهة عند المصريين القدماء، وهذا هو الأمر المثير للعجب، حيث يخيل لنا دائما أن المقابر بنايات كئيبة تحمل الموت والفناء بين جنباتها إضافة إلى المصير المجهول، ولكن بالنسبة للمصري القديم، كانت جدران المقبرة مساحات خالية يشغلها الفنان القديم بمناظر مبهجة تبعث الأمل في حياة أخرى أبدية سعيدة للمتوفى مع من يحب. ولم يجد بعض الفنانين غضاضة في كتابة نكات لاذعة وتصوير مناظر فكاهية على جدران المقبرة، التي ربما كانت بأوامر مباشرة من صاحب المقبرة.

كانت النكتة السياسية هي المسيطرة والمفضلة عند المصريين، خاصة خلال فترات الاحتلال الأجنبي أو خلال فترات التعسف من قبل بعض الحكام، وتليها النكتة الاجتماعية التي تسخر من بعض الأوضاع الاجتماعية التي يرفضها الفنان، أو حتى لمجرد السخرية من المجتمع ونظمه وعاداته وتقاليده.

ومن أطرف أعمال الكاريكاتير المصور منظر يعود إلى عصر الاضمحلال الثالث، ويصور مجموعة من الفئران القوية الفتية وقد كونت جيشا يهاجم حصنا منيعا للقطط؛ يرميها بالسهام ويحطم الحصن بالدروع والبلط، بل إنهم أحضروا سلما للصعود عليه ودخول الحصن وذلك تحت قيادة زعيمهم المغوار، وهو فأر كبير يركب عربة حربية يجرها كلبان! بينما القطط داخل الحصن مذعورة لا تعرف كيف تصد هجوم هذا الجيش.

المعنى بالطبع واضح، فإن مصر القوية الفتية عندما تضعف يطمع فيها العدو الجبان وتستأسد عليها الجرذان؛ وتنقلب الأوضاع؛ فيصير العزيز ذليلا والوضيع جريئا بوضاعته. لم يكن هذا الكاريكاتير فقط معبرا عن وضع وحدث بعينه، وإنما كان شارحا لأوضاع تتكرر عبر الزمان؛ وبذلك يمكن وصف العمل بالشمولية وتجاوز حدود الزمان والمكان.

ولتأكيد المعنى نرى على قطعة أخرى فأرا سمينا منعما يرتدي الغالي من الثياب، وهي نقبة كتانية ثمينة، ويجلس على كرسي وثير، بينما يقوم على خدمته قط هزيل يقدم له شرابا، يتناوله الفأر عن طريق مصاصة لكي لا يرهق نفسه بحمل الكأس بيديه!

وبطبيعة الحال كان الكاريكاتير السياسي أداة مهمة للمطالبة بتغيير الأوضاع، وإزاحة المحتل وعودة مصر لوضعها الطبيعي بلدا يقود ولا ينقاد.

سنحاول في المقالات المقبلة لمس روح الفكاهة وألوانها المختلفة عند الفراعنة، وتسليط الضوء على جانب مهم من حياة المصريين القدماء.