خيارات بوتين الثلاثة في أوكرانيا

TT

مرت أكثر من ثلاثة أشهر على خطاب فلاديمير بوتين المنتصر في البرلمان الروسي. وفي هذا الخطاب، ابتهج بوتين باستيلائه عسكريا على شبه جزيرة القرم، بينما كان يتيه في عربدة من المشاعر الشوفينية. كان استمتاع بوتين وحماسه واضحين للغاية، مما أعطى قليلا من التفكير إلى العواقب الاستراتيجية الكبرى وطويلة المدى لما أطلق له العنان.

عقب ثلاثة شهور، ووسط حالة عدم اليقين المستمرة حيال مستقبل العلاقات الروسية الأوكرانية، وكذلك التكاليف الدولية المتصاعدة على روسيا ـ فإن بوتين صار أمام ثلاثة خيارات أساسية: أولا: يمكنه متابعة مسار التسوية مع أوكرانيا عن طريق إنهاء الاعتداء على سيادتها وتحقيق الرفاهية الاقتصادية. وهذا يتطلب قدرا من الحكمة والمثابرة من جانب روسيا، وكذلك من جانب أوكرانيا والغرب. وينبغي لمثل تلك التسوية أن تشمل إيقاف الجهود الروسية الرامية إلى زعزعة الاستقرار الأوكراني من الداخل، وإنهاء أي تهديد بغزو واسع النطاق، ونوعا من التفاهم بين الشرق والغرب يستلزم القبول الروسي الضمني لرحلة أوكرانيا الطويلة باتجاه عضوية الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف. وفي ذات الأثناء، ينبغي أن يكون واضحا أن أوكرانيا لا تسعى، والغرب لا يتصور، قبول عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي. من المعقول بالنسبة إلى روسيا أن تشعر بنوع من عدم الارتياح حيال هذا الاحتمال.

بالإضافة إلى ما تقدم، ينبغي أن يكون واضحا بالمثل أن روسيا لم تعد تتوقع أن تصبح أوكرانيا عضوا في «الاتحاد الأوروبي»، مما يعد غطاء شفافا لما يعتبره الروس استجماما سياسيا يقترب من صورة الاتحاد السوفياتي السابق أو الإمبراطورية القيصرية الروسية. لا ينبغي لذلك أن يحول دون، مع كل ذلك، من عقد الاتفاق التجاري الروسي الأوكراني، حيث يمكن لكلا البلدين الإفادة من التجارة التعاونية فيما بينهما على نحو متنام، فضلا عن العلاقات المالية.

يمكن للمجتمع الدولي تجديد دعمه لتلك النتيجة واستئناف علاقات أكثر طبيعية مع روسيا ذاتها، بما في ذلك رفع العقوبات.

ثانيا: يمكن لبوتين الاستمرار في رعاية تدخل عسكري محدود ومستتر ومصمم، لتعطيل أوجه الحياة في أجزاء معينة في أوكرانيا. وإذا ما تابعت روسيا المسير في ذلك الاتجاه، فمن الواضح للغرب أن يتخذ خطوات عقابية قابلة للتطبيق على فترات طويلة ،ومصممة لتنقل رسالة إلى روسيا بشأن العواقب الوخيمة لانتهاك السيادة الأوكرانية.

ثالثا: يمكن لبوتين غزو أوكرانيا، واستغلال المقدرة العسكرية الروسية الضخمة في ذلك. ومثل هذا الإجراء، ليس من شأنه فقط أن يدعو الغرب للانتقام، ولكن يمكنه أن يثير المقاومة الأوكرانية كذلك. وفي حالة استمرار تلك المقاومة وتصاعد وتيرة حدتها، فسوف تستدعي ضغطا متصلا على أعضاء حلف شمال الأطلسي لدعم أوكرانيا بمجموعة متنوعة من الخيارات، مما يجعل الصراع في مجموعه أكثر تكلفة بكثير على حساب المعتدي.

بالنسبة للكرملين، لن تكون نتيجة الخيار الثالث سالف الذكر مقصورة على كراهية الشعب الأوكراني ذي الأربعين مليون نسمة الدائمة لروسيا فحسب، بل ستؤدي إلى عزلة اقتصادية وسياسية تنال روسيا التي سوف تواجه تصاعدا مستمرا من حيث الاضطرابات الداخلية.

والخيار الواضح السليم هو إيجاد صيغة للتسوية، من شأنها أن تشمل تخلي روسيا عن استخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا. وسوف تظل مسألة شبه جزيرة القرم عالقة بدون حل حتى الآن، ولكنها سوف تكون بمثابة تذكير دائم بأن التعصب الشوفيني الروسي لا يعتبر نقطة انطلاق جيدة لتسوية القضايا ذات التعقيد. وذلك هو السبب الكامن أن الإجراءات التي يتخذها بوتين تعد تهديدا غير موجه للغرب فحسب، بل موجه أيضا، وبصورة نهائية، ضد روسيا ذاتها.

* مستشار الأمن القومي الأميركي 1977-1981

*خدمة: «واشنطن بوست»