طريق طويل لتلقي الإنسولين

TT

البحث عن وسائل علاجية جديدة، جانب حيوي في تطوير الخدمات المقدمة للمرضى بغية ضمان مستوى أفضل في معالجة حالاتهم المرضية. ومرض السكري أحد أقدم الأمراض التي عرفتها البشرية، وتطور فصول قصة معالجة مرضى السكري بالإنسولين دون الأدوية العلاجية الأخرى لمرض السكري، يستحق بالفعل التأمل في أحداثه.

القصة بدأت باكتشاف الألمان في 1869 وجود جزر متعددة من الخلايا في البنكرياس تلعب دورا في عملية الهضم عبر إفراز مواد كيميائية. ولم يتعرف الألمان آنذاك على تلك المواد الكيميائية ولكن سموها «إنسولين»، واشتقوا الاسم من كلمة «إنسيلا» التي تعني جزيرة باللغة اللاتينية. واستمر الأمر كذلك نحو 30 سنة، إلى أن وصلنا إلى عام 1901 عندما لاحظ العلماء الألمان أن إزالة البنكرياس من الجسم تُؤدي إلى ظهور مرض السكري. وبمزيد من البحث عرفوا تحديدا أن إزالة خلايا هذه الجزر المتناثرة في البنكرياس، هي مصدر الإصابة بالسكري.

ثم، وبعد جهود مضنية للعلماء خلال 20 سنة أخرى، تمكن العلماء الكنديون في عام 1922 من توفير محلول صاف نسبيا من هرمون الإنسولين المستخلص من الثيران، وحقنه لمرضى السكري المشرفين على الموت بفعل حالة «الحماض الكيتوني السكري» Diabetic Ketoacidosis. وهو ما أثبت جدوى في إنقاذ حياتهم. واستمر إعطاء الإنسولين الحيواني للمرضى نحو 60 سنة أخرى، إلى أن وصلنا لعام 1978، حيث جرى فيه بنجاح إنتاج هرمون الإنسولين البشري بطرق جينية معقدة تُستخدم فيها أنواع البكتيريا Genetically Engineered Human Insulin. وطوال هذه المدة الزمنية، أي نحو قرن من الزمان، استمر إعطاء الإنسولين للمرضى عبر الحقن بالإبرة تحت الجلد.

الجديد في القصة هو ما جرى إعلانه في 27 يونيو (حزيران) الماضي بإعطاء إدارة الدواء والغذاء الأميركية FDA الإذن باستخدام مرضى السكري وسيلة جديدة في إعطاء الإنسولين لهم، وهي طريقة الاستنشاق عبر الفم بعد توفير الإنسولين بهيئة تسمح له بذلك. والعقار الجديد للإنسولين، «أفريزا» AFREZZA®، يمثل خيارا علاجيا في تلقي الإنسولين بصفته بديلا لتلقيه عبر الحقن بالإبرة تحت الجلد. و«أفريزا» هو الأول من فئة أدوية الإنسولين التي تُعطى بالاستنشاق عبر الشفط بالفم من كبسولة تحتوي على نوعية من الإنسولين التي هي «فائقة السرعة في المفعول» Ultra Rapid-Acting Insulin.وتحتوي الكبسولة العلاجية على مسحوق من الإنسولين الجاف، التي تُستخدم فيه الكبسولة مرة واحدة لإدخال محتوياتها من خلال الشفط بالفم عبر فتحة جهاز صغير للشفط Inhaler، ومن ثم يدخل مسحوق الإنسولين إلى أنسجة الرئة، التي تمتصه وتدفعه إلى مجرى الدم في داخل الجسم.

وما وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية عليه هو أولا: إمكانية تلقي المرضى للإنسولين بهذه الطريقة الجديدة في إدخال الإنسولين إلى الجسم بدلا من الحقن بالإبرة تحت الجلد، وثانيا: في الوقت الحالي اقتصار استخدام هذه الوسيلة في إدخال الإنسولين لضبط ارتفاع نسبة السكر في الدم بُعيد تناول وجبة الطعام، أي لحالات مرضى السكري الذين يحتاجون إلى تلقي الإنسولين لفترة تناول الطعام Mealtime Insulin. وهؤلاء المرضى الذين سيجري إعطاؤهم الإنسولين في أوقات تناول وجبة الطعام سيستمرون كذلك حاليا في تلقي الإنسولين بالحقن بالإبرة تحت الجلد في الأوقات الأخرى، أي في الصباح والمساء، لنوعية الإنسولين المتوسط أو البطيء المفعول.

وتأتي إجازة إدارة الغذاء والدواء الأميركية بعد تجارب إكلينيكية على أكثر من ثلاثة آلاف شخص من المرضى بالسكري البالغين. وشددت الإدارة على أن هذه الإجازة لبدء استخدام المرضى للوسيلة الجديدة في إدخال الإنسولين إلى الجسم، ليست وسيلة بديلة لتلقي هؤلاء المرضى الإنسولين الطويل المفعول من خلال الحقن بالإبرة تحت الجلد. ولاحظت في نتائج التجارب تلك أن الآثار الجانبية الأكثر حصولا كانت انخفاض نسبة سكر الدم، والسعال، وآلاما أو تهيجا في الحلق. كما شددت الإدارة على أنها بدأت بالفعل دراسات طويلة الأمد لمتابعة التأثيرات ما بعد التسويق Post-Marketing Studies خاصة لدى الأطفال.

وهذه احتياطات طبيعية للتأكد من مأمونية الوسيلة العلاجية الجديدة، وربما يتوسع استخدام هذه الطريقة في المستقبل لتكون بديلا عن تلقي الإنسولين بالإبرة تحت الجلد، ولكن بعد تأكيد نتائج الدراسات سلامة وأمان هذه الوسيلة العلاجية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]