كارثة البرازيل!

TT

الخسارة المهولة التي مني بها الفريق البرازيلي في الأدوار قبل النهائية أمام المنتخب الألماني في بطولة كأس العالم المقامة بالبرازيل وسط جماهيره وصفت بأسوأ الكلمات، فمنها من شبهها بالكارثة والعار والدمار والانهيار بينما اعتبرها الألمان انتصارهم المهول على عمالقة كرة القدم في عقر دارهم بنتيجة مفاجئة وهائلة هي 7-1 هي أشبه بعجائب الدنيا السبع.

النتيجة والهزيمة بالنسبة للبرازيل لم تكن مجرد نتيجة مباراة كرة قدم، ولكن البرازيل كانت تعتبر تنظيم مسابقة كأس العالم اللعبة الشعبية الأولى في العالم والبطولة الأولى في العالم وأهم حدث من نوعه في العالم والمسابقة مقامة على أرض الدولة المستضيفة المعروفة بأنها ساحرة هذه اللعبة ومقدمة للعالم أهم النجوم فيها وصاحبة أهم إنجاز بأنها الدولة الأكثر إحرازا للقب العالمي.

وكانت البرازيل، رغم حملات الاعتراض الشعبية واحتجاجاتهم المتواصلة على إقامة البطولة والصرف الهائل على المنشآت والملاعب المصاحبة للبطولة بدلا من الصرف على المرافق الصحية والمرافق التعليمية والبنى التحتية المتنوعة المطلوبة، كانت ستستغل هذه المناسبة الساحرة لتقديم البرازيل للعالم على أنها دولة «وصلت لبر الأمان» أصبحت دولة ديمقراطية بامتياز يشهد لها العالم بذلك وعرفت الانتقال السلمي للسلطات بعد انتخابات نزيهة لأكثر من مرة.

جاء كل ذلك بعد أن كانت البرازيل مضرب الأمثال في الطغيان والاستبداد والانقلابات العسكرية، وبعد أن عُرفت بأنها بلد مدمَّر اقتصاديا رغم كونها تملك الثروات والخيرات والموارد الطبيعية الهائلة، أصحبت اليوم من أهم دول العالم في المجال الاقتصادي تصنع كل شيء من الإبرة حتى الصاروخ وتحولت بالتدريج إلى سلة العالم الغذائية واستقرت عملتها وتحسن الوضع الأمني لديها ولكن بقيت معدلات التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء مثار قلق وخوف وتحد لكافة الحكومات القادمة.

ولذلك تجيء النتيجة صادمة وكارثية على ذهنية ونفسية البرازيليين الذين كانوا ينوون أن يكون تتويج الفريق الوطني بهذه البطولة بمثابة كرنفال للأمة وإعلان ولادة جديدة للبلد الجديد الذي راهن الكثيرون على نجاحه وأكثر على فشله، كان الحلم أن تكون البطولة مكافأة تعويض لخيبات الماضي وإحباطاته الكثيرة سواء أكان ذلك على الصعيد الكروي أم السياسي أم الاقتصادي.

البرازيليون لا يزالون لليوم يعانون من صدمة نتيجة نهائي بطولة العالم الذي استضافته البرازيل عام 1950 وبنت لأجله أكبر استاد رياضي في التاريخ بسعة 200 ألف متفرج والتي كان الجميع متأكدين من فوز البرازيل بالبطولة وخسروا في المباراة النهائية أمام الأوروغواي 2-1. وها هي اليوم تهزم مجددا على أرضها والكل يؤكد أن هذه النتيجة سيكون لها أبعاد سياسية خطيرة ستؤثر على حظوظ رئيسة الجمهورية وحزبها الحاكم في اتخاذ سياسات يوافق عليها الشعب بيسر وسلاسة وقد تفقد حظها في الفوز بالدورة الرئاسية الجديدة. وستزداد المطالب الاجتماعية حدة وجرأة ويرتفع صوت من يطالب بها.

البرازيل ستحتاج لوقت طويل قبل أن تفيق من هول وصدمة الهزيمة، فكرة القدم عندهم ليست برياضة فحسب بل إنها أقرب لطائفة ومذهب عقائدي. الأيام بيننا وتستحق منا مراقبة تبعات نتيجة مباراة كارثية على بلد يزيد عدد سكانه عن الـ300 مليون واقتصاده واحد من أهم عشرة اقتصاديات في العالم.