هل تدفع موجة التطرف مشروع الاتحاد الخليجي؟

TT

شاب بحريني صغير لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة، يقف مع أصدقائه أمام مطعم بمدينة المحرق، العاصمة الأقدم لمملكة البحرين، ويفاجأ بمجموعة من الشباب لهم مظاهر معروفة ولم تتجاوز أعمارهم 25 عاما يلقون عليهم التحية، ويبدأون بالحديث عن المستقبل، ودور هؤلاء الشباب في المستقبل، وما المطلوب منهم للالتحاق بدولة «الخلافة الإسلامية» في العراق، والانضمام إلى صفوف قوات «داعش» في الأراضي العراقية والسورية!

هذا المشهد ليس بغريب على دول مجلس التعاون الخليجي، التي شهد شبابها مواقف مشابهة خلال ثمانينات القرن العشرين، عندما انخرط المئات من شباب الخليج من أجل «الجهاد» مع الأفغان لمواجهة «السوفيات الكفار» آنذاك.

في كلتا الحالتين فإن المشهد لا يختلف، وما قد يختلف فقط المسميات وعوامل الجغرافيا والمكان لا أكثر. الآن موجة جديدة من التطرف والتشدد تمر على الشرق الأوسط، ويتوقع أن تكون سيناريوهاتها مماثلة لحركة الأفغان العرب، من الانخراط في حركة «جهادية»، ثم تحول هذه الحركة إلى تنظيم سياسي، والتنظيم لاحقا يتطور بتكوين ميليشيات شبه عسكرية، تتحرك لاحقا بسرعة من أجل بسط نفوذها على أكبر رقعة جغرافية ممكنة، وتنتهي بالتورط في الأعمال الإرهابية، سواء في المناطق التي بسطت نفوذها عليها، أو في مناطق ودول أخرى تؤمن باستهدافها انطلاقا من اعتبارات آيديولوجية صرفة، ومثالها الأبرز ما حدث من استهداف تنظيم القاعدة مجموعة من الأهداف على الأراضي الأميركية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

كيف ستتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع موجة جديدة من التطرف والإرهاب؟ خاصة أنها تقترب من حدودها الجغرافية أسرع هذه المرة؟

أكثر دول الخليج العربية امتلاكا للخبرة في التعامل مع الجماعات المتطرفة والإرهابية هي السعودية، التي استطاعت القضاء على خلايا تنظيم القاعدة في فترة قياسية مقارنة بقدرات هذا التنظيم، واستطاعت استيعاب الكوادر التائبة من «القاعدة» والجماعات الإرهابية، وتمكنت من إعادة تأهيلهم تمهيدا لإدماجهم مجتمعيا، وأسست لذلك مراكز وأجهزة متخصصة.

لذلك، ليست دول مجلس التعاون بحاجة لخبرات أجنبية في التعامل مع موجة التطرف والإرهاب الجديدة، بل إنها تملك الخبرات، وبحاجة إلى تفعيل التعاون فيما بينها أكثر، وإذا كانت الموجة الجديدة غير تقليدية بسبب وجود شبكات التواصل الاجتماعي، ووجود آليات متنوعة ومبتكرة للتجنيد السياسي مختلفة عما هو موجود في السابق، فإن الحاجة هنا تتطلب عملا وتحركا خليجيا جماعيا للإعلان عن الاستراتيجية الخليجية لمواجهة التطرف والإرهاب.

في السياق نفسه، فإن دخول المنطقة لموجة جديدة من التطرف والإرهاب، يعني حرص كل من طهران وواشنطن على لعب دور نشط من أجل تعزيز نفوذهما الإقليمي، وضمان حماية النفوذ الإيراني من الخليج العربي، وامتدادا حتى أقصى الشام شمالا. وهي مرحلة جديدة لتعزيز الصورة النمطية المبتكرة غربيا لارتباط مجتمعات المنطقة بالإرهاب، وضرورة المواجهة وتقديم الدعم لبعض الأطراف، من أجل حماية المصالح الاستراتيجية الغربية في الخليج، ولا يتوقع أن يتغير الدعم عن تلك الأطراف التي نالت حظوة الغرب منذ أكثر من عقد، وما زالت محاولات تمكينهم سياسيا مستمرة.

الحصيلة أن هناك متغيرات دولية مختلفة، وهناك تحديات جديدة إقليميا، وهناك تهديدات داخلية تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، فهل يمكن أن تتعامل هذه الدول مع هذه المتغيرات بمنظومة خليجية لا تتجاوز التعاون؟

موجة التطرف والإرهاب يجب أن تكون دافعا نحو الإسراع بتأسيس الاتحاد الخليجي، وتنفيذ المبادرة السعودية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين عندما دعا إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد؛ فعندما تكون هناك تحديات وتهديدات فإن خيارات مواجهتها جماعيا أكثر فاعلية بأقل التكاليف، وفي وقت أسرع، بدلا من الاعتماد على الجهود والخيارات الذاتية التي قد تكون فاعليتها أقل، وباهظة التكلفة، وتحتاج مدى زمنيا أطول. ولذلك لا خيار أفضل من الإسراع في تنفيذ مشروع الاتحاد الخليجي. ومن الخيارات المتاحة تنفيذ مشروع لوحدة عسكرية - أمنية إلى حين استكمال متطلبات الاتحاد المرتقب، من أجل مواجهة التهديدات الداخلية، والتحديات الإقليمية والمتغيرات الدولية.

الاتفاقيات الدفاعية والأمنية الخليجية من الممكن أن تساهم في تعزيز الأمن والاستقرار لدول المنظومة الخليجية، ولكن لا خيار غير العمل الخليجي الجماعي، لأننا نتحدث عن منظومة أمن جماعي، وليس أمن مجموعة دول.

* رئيس تحرير صحيفة «الوطن» البحرينية