الائتلاف في مرمى النقد!

TT

منذ أن تأسس الائتلاف الوطني قبل نحو عامين وحملات النقد تتواصل ضده من الجانب السوري، سواء من جماعات وكتل وشخصيات سياسية، أو من قبل ناشطين أو من مواطنات ومواطنين سوريين، كما أن النقد وصولا إلى التجريح والتهويش والتخوين، تواصل من جانب النظام والشبيحة القتلة والمنحبكجية والمؤيدين لنظام الأسد.

وإذا كان نقد الأخيرين لا يهمنا عموما، لأنه ينطلق من قاعدة العداء للشعب السوري وثورته وللمعارضة، فإن المستوى الأول من النقد يهمنا، ويهمنا أيضا التوقف عنده ومناقشته، لأنه ينطلق من قاعدة الخوف على الشعب والثورة والمعارضة في ظاهره، وإن بدا في بعض الأحيان أنه يذهب بحدود معينة مذهب نقد النظام وأدواته وشبيحته.

يتركز نقد السوريين للائتلاف في أول حيثياته من فكرة التركيب السياسي العام للائتلاف، خاصة لوجود قوى وشخصيات غير معروفة، أو ذات هويات سياسية لها إشكاليات في الواقع السوري نتيجة سياسات النظام التي اتبعت في عهد عائلة الأسد من الأب إلى الابن، فغيبت وشتت القوى والشخصيات السياسية في الداخل والخارج، وهمشت السياسة في سوريا وحولها، مما جعل صورة السياسة والسياسيين ملتبسة عند السوريين، وزاد على الأمر أن الثورة بدفقها الشعبي لم تتوقف أمام تلك الصورة لتأملها، والتمييز في حيثياتها لرؤية الإيجابي والسلبي، واتخاذ موقف الداعم والمؤيد للجانب الإيجابي سواء حيال الائتلاف أو غيره من تكوينات المعارضة السورية.

والنقطة الثانية تتعلق بقدرات الائتلاف، وهي قدرات محدودة في كل المجالات، ليس مقارنة بقدرات النظام فحسب، بل بما فرضته الكارثة السورية من احتياجات لا تتعلق بمواجهة النظام وأدواته وحلفائه، وإنما أيضا بالاحتياجات المتنامية للسوريين الذين تحولت أغلبيتهم إلى فقر وحاجة وتشرد ولجوء ومرض واختفاء قسري وموت، وهي احتياجات تعجز دول عظمى وغنية عن توفيرها، خاصة أنها آخذة في التنامي والتزايد في ظل بيئة إقليمية ودولية غير متعاونة.

أما النقطة الثالثة، فيما يتركز عليه نقد الائتلاف، فتبدو في التأثيرات الإقليمية والدولية عليه، ومنها علاقة الائتلاف بدول في المحيط الإقليمي وأخرى ذات وزن وأهمية في المستوى الدولي، وخاصة لجهة العلاقة مع تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، إضافة إلى غرب أوروبا والولايات المتحدة، وهذا أمر طبيعي؛ لأن ظروف القضية السورية جعلت من الثورة والمعارضة ميدانا لتدخلات إقليمية ودولية، لا سيما بعد أن جلب النظام إلى التدخل في القضية السورية حلفاء له مثل روسيا وإيران وميليشيات لبنانية وعراقية، وظفت كل قدراتها في دعمه ومساندته للبقاء في سوريا.

إن نقد الائتلاف في ظل المعطيات السابقة يمكن أن يكون نقدا موضوعيا وله طابع إيجابي، سوف يساعد الائتلاف على التقدم وتطوير نفسه بما يتناسب مع مهماته وأهدافه في ضوء الواقع، وليس في ضوء الأحلام والرغبات. أما إذا كان النقد لا يأخذ تلك المعطيات بعين الاعتبار، فهو نقد غير إيجابي، وقد تكون له دلالات لا تتوافق مع المصلحة العليا للشعب السوري وثورته.

لقد درج البعض على قول إن الائتلاف بحاجة إلى برنامج أو خطة سياسية وإلى برامج عمل تنفيذية، ولهذا القول الكثير من الصحة، لأنه لا يجوز (كما حدث حتى الآن) أن يسير الائتلاف دون خطط وبرنامج، وأن تترك سياسته تتأرجح حسب الرياح سواء كانت رياحا داخلية أو خارجية، أو أن يكون محكوما بـ«المجاز» على نحو ما حدث ذات يوم من عمر الائتلاف.

كما أن قول إن الائتلاف بحاجة إلى إصلاح ومأسسة - وهذا مطلب حق - ينبغي الاشتغال عليه، لأن الائتلاف بحاجة إلى مؤسسات وهياكل سياسية وإدارية وفنية، تتجاوز طبيعة قوى المعارضة المنضوية في الائتلاف، والمؤسسات والهياكل، التي أقامتها في فترات سابقة (إذا كان لها مؤسسات وهياكل)، وثمة حاجة إلى نوعيات وقدرات جديدة بحكم الدور الجديد الذي صار على الائتلاف أن يقوم به مع هياكله مثل الحكومة والأركان ووحدة تنسيق الدعم.

أما في النقد القائل بإدانة الائتلاف باعتباره عاجزا عن توفير الدعم العسكري للتشكيلات المسلحة والإغاثي لأكثر من عشرة ملايين سوري في الداخل والخارج، فهو نقد غير واقعي، لأن أصحابه يعرفون أن قدرات الائتلاف لا تسمح بذلك لأنه يحصل على مساعدات محدودة من دول داعمة، أو أن أصحاب هذا النقد لا يعرفون شيئا عن واقع الائتلاف ودخله، وأن لديهم أوهاما فيما يتعلق بالدعم الذي يتلقاه الائتلاف.

وينتمي إلى عالم الخيال ما يقال من نقد يقول بعجز الائتلاف عن التصدي لقوات النظام وحلفائه على الأرض، ولتمدد ميليشيات جماعات التطرف من أخوات «القاعدة» مثل «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، خاصة أن الائتلاف هو تحالف سياسي كما هو معروف وليس تنظيما عسكريا، وعلاقاته مع التشكيلات العسكرية محدودة ومحكومة بظروف وشروط شديدة التعقيد، إضافة إلى ضعف إمكانياته المادية المعروفة.

لقد آن الأوان ليس لقوى وشخصيات المعارضة، بل بالدرجة الأولى لمن هم داخل الائتلاف الوطني، أن يحكموا عقولهم وضميرهم ومصلحة الثورة والشعب السوري عند نقدهم لواقع الائتلاف ولأداء الائتلاف، وأن يتقدموا للعمل معا من أجل إنهاض الائتلاف ودفعه للسير نحو أهداف الثورة والشعب بدل الاعتماد على الخيال والرغبات واللجوء إلى المزايدات السياسية، واستخدام بعض الوقائع في غير محلها، وكيل اتهامات بعضها لا أساس له من الصحة، أو استخدامها لأغراض سياسية محدودة النفع، بدل أن تكون في مصلحة الثورة والشعب السوري، عند ذلك سيكون لنقد الائتلاف قيمة أكثر جدية ونفعا.