الكلمة أمانة

TT

الكلمة أمانة يسأل عنها الإنسان يوم القيامة سواء بالكلام أو الكتابة، وفي هذا السياق يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: «إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه؛ فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شك لم يتكلم حتى تظهر». فكم من أسر تفككت بسبب كلمة قالها الزوج أو قالتها الزوجة، وكم من علاقات اجتماعية كعلاقة الصداقة تهدمت بسبب كلمة، وأعظم من ذلك كم من حروب نشبت بين الدول والجماعات بسبب كلمة قيلت هنا أو هناك، ولذا في كل الأحوال كان الصمت أبلغ من الكلام في توصيل الأفكار والمشاعر والأحاسيس للطرف الآخر، والصمت صفة جليلة في الشخصية الإنسانية تدل على رجاحة العقل واتزان الشخصية، فامتلاك الإنسان لسانا يتكلم به أو قلما يكتب به لا يعني أن يطلق العنان لهما في كل شيء، وقديما قيل: «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك». نعم، الصمت هو العلم الأصعب من علم الكلام، يصعب أحيانا تفسيره وهو أفضل جواب لبعض الأسئلة، وفي تراثنا الإسلامي قيل قديما إن الصمت إجابة رائعة لا يتقنها الآخرون، وأفضل ما قيل عنه نذكر ما قاله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت». ويقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:

قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم

إن الجواب لباب الشر مفتاح

والصمت عن جاهل أو أحمق شرف

وفيه أيضا لصون العرض إصلاح

وفي زماننا هذا، ما أكثر من يتكلمون على المنابر، ويكتبون في الجرائد جاعلين من أنفسهم أوصياء على المجتمع وقضاياه، كلامهم لا يرد، وكتاباتهم في أعمدة الجرائد يوميا حكم ومواعظ يتكلمون ولا يسمعون ويكتبون ولا يقرأون، يهدمون المجتمع من حيث لا يشعرون ويزرعون الفتن والانقسامات والكراهية بين الأفراد والجماعات من حيث لا يعلمون، والبعض منهم لغرض في نفس يعقوب!

وفي كل الأحوال هي ثقافة اكتسبوها تجعل من الحوار لديهم يسير في اتجاه واحد. وتعالوا معي نطبق هذا الكلام على بعض المواقف من حياتنا الاجتماعية: في الأسرة، نجد الآباء هم الذين يوجهون النصائح والمواعظ إلى الأبناء، الذين عليهم أن يسمعوا فقط. وفي المدرسة، المعلم هو الذي يلقن ويشرح والطلاب يسمعون ولا يسمح لهم بالإجابة إلا عند السؤال. وفي مواقع العمل، المدير هو الذي يتكلم وعلى الموظفين أن يسمعوا فقط، وقس على ذلك بقية المواقف في حياتنا الاجتماعية.

ولذا ونحن في شهر رمضان الكريم حيث عبادة الصيام، نسأل: هل تصوم ألسنتنا وأقلامنا عن الكلام الذي لا داعي له، وبذلك نعطي الصيام حقه عملا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الصيام جنَّة؛ فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم».

ما أحوجنا في هذا العصر إلى التماسك والتآلف، وأن نمسك ألسنتنا وأقلامنا عن جوارح اللسان ومزايدات الأقلام التي تباعد ولا تقارب وتهدم ولا تبني!

* أكاديمي وكاتب بحريني