خوف أم فلسطينية في القدس الشرقية

TT

دوى صوت انفجار قوي وشعرت بالأرض تهتز تحت منزل أسرتي. سمعنا الانفجار الأول فور فراغنا من تناول إفطار رمضان وجلوسنا لنشاهد التلفزيون. وكنت أشاهد عبر النافذة الناس يجرون في شوارع بيت حنينا وهي المنطقة الفلسطينية المجاورة لي. ثم تبعه انفجار ثان وثالث. سمعنا أن مخابئ من القنابل فتحت في القدس الغربية، ولذلك افترضنا أن هناك صواريخ ستأتي من غزة.

لكن المخابئ الوحيدة من القنابل قربنا هي في المستوطنات اليهودية مثل بيسقات زييف وهاغيفا هاتزارفاتيت في القدس الشرقية المحتلة، ولن نذهب هناك، لا سيما بعد أحداث الأسابيع الماضية. فقبل أيام قليلة وفيما يبدو انتقاما لمقتل ثلاثة شبان إسرائيليين، اختطف متطرفون يهود محمد أبو خضير وعذبوه وقتلوه. وهو صبي فلسطيني يصغر ابني بعام. واعتقلت السلطات الإسرائيلية وضربت المئات من الفلسطينيين في جميع أنحاء القدس الشرقية.

وبقينا في غرفة معيشتنا نسمع دوي الانفجارات وأصوات الصواريخ وهي تُعترض في الجو، وكنت أدرك في ألم أن سكان غزة سيدفعون ثمنا باهظا لمحاولة قادتهم ضرب مقعد الحكومة الإسرائيلية.

ولدت وترعرعت في بيت حنينا ودرست بجامعة بيرزيت قرب مدينة رام الله. وعندما اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1987 وأغلقت السلطات الإسرائيلية جامعتي، بدأت العمل كصحافية لا أكتفي بتغطية مظاهرات إلقاء الحجارة فحسب، بل أيضا حملة المقاومة المدنية لإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي الأقل شهرة.

سافرت جوا عام 1989 لحضور مؤتمر في لندن حول التعليم في الأراضي الفلسطينية والتقيت هناك بالرجل لذي أصبح زوجي فيما بعد. كان فلسطينيا أيضا تتحدر عائلته من نابلس، لكنه ولد ونشأ في الدوحة، ولذلك لم يُسمح له أبدا بزيارة الضفة الغربية كشأن ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

وفي عام 1994 سافرت عائلتانا إلى الأردن واحتفلنا بزواجنا في ذلك فيه. ثم انتقلت للعيش مع زوجي في الخليج العربي وحملت بطفل عام 1996. وبعد تشاور مع المحامين أدركت أني أحتاج للعودة إلى وطني لأضع مولودي في القدس حتى يصدر له رقم إقامة من القدس، ولا يتعرض لمخاطرة المنع من زيارة الأراضي الفلسطينية مثل أبيه. وعدت إلى القدس وحدي. وفي تحول قاس للقدر والسياسة أخبرتني السلطات الإسرائيلية أن ابني لن يحصل على هوية من القدس طالما بقيت متزوجة من أبيه. ولأن أحد والديه فلسطيني دون هوية من القدس، فلا يستحق ولدي أن يرث وضع الإقامة الخاص بي.

وبعد سنوات من الهدر المالي والعاطفي تطلقت من زوجي - لم ينه التوتر زواجنا فقط، بل حتى علاقتنا - ومنح ابني مروان بطاقة الهوية.

يبلغ اليوم مروان والذي نناديه «ميمو» 17 سنة. وقبل أسبوع غادر محمد أبو خضير وهو في السادسة عشرة، ويسكن على بعد دقيقتين من بيتنا، غادر بيته ذاهبا إلى المسجد في الفجر بعد تناول سحوره مع والدته قبل بدء الصيام. وبينما كان يقف في الخارج، اختطفته مجموعة من الإسرائيليين في سيارة بيضاء، وعذبوه وحرقوه حيا ثم تركوا جثته في غابة قريبة.

لم أعد أقوى على النوم منذ سمعت ذلك الخبر. وأفكر دائما في ميمو الذي يخرج عادة مع أصدقائه لمشاهدة مباريات كرة القدم، أو لشراء بعض الأغراض من البقالة، وأفكر في سهى والدة محمد التي خرج ابنها ذات صباح ولم يعد أبدا بعدها. وأفكر في الأمهات اللاتي اعتقل أولادهن وضربوا وأذلوا بواسطة الشرطة الإسرائيلية منذ ذلك الوقت. وتفكر كل أم تحدثت إليها في القدس الشرقية في الأشياء ذاتها. فجميعنا مذعورات على سلامة أولادنا.

تجاور منطقة بيت حنينا مستوطنات بيسقات زييف ونيفي ياكوف. كيف سيمكننا الاستمرار في العيش هكذا؟ وعندما يعود أولادنا للدراسة عندما تفتح المدارس في سبتمبر (أيلول) كيف سندع أولادنا وبناتنا ليمشوا وحدهم في الصباح والمساء؟ كيف يمكن لأم أن تترك أطفالها خارج البيت وهي تعلم أنه الآن إضافة إلى المضايقات والتهديدات، التي كانوا يواجهونها دائما من الشرطة والسلطات الإسرائيلية، أصبح هناك احتمال أن يختطفوا من الشارع ويقتلوا. يجب ألا يعيش أي والد، إسرائيلي أو فلسطيني يهودي أو مسلم، في مثل هذا الخوف. ولن يجعل العنف والقمع أطفال أي شخص أكثر أمانا.

لم تبدأ المشكلة بالاختطافات، وعلينا أن ننتبه لتلك الحقيقة. وعلى العالم أن يحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن تصرفاتها وعلى حملاتها العسكرية التي أزهقت أرواح الكثير من الأبناء والأمهات في الضفة الغربية خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأن يحملها المسؤولية على تجاهلها الصارخ للفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية؛ وما نقص المخابئ التي تحمي من القنابل سوى مثال للعديد من الخدمات الأساسية التي تفشل السلطات الإسرائيلية في توفيرها للفلسطينيين الذي يعيشون تحت حكمها. وتحميل الاحتلال المسؤولية كذلك لأن عنفه ووحشيته هي السياق المظلم للكثير مما جرى خلال الأسابيع القليلة الماضية.

عدت إلى القدس قبل سبعة عشر عاما حتى لا يحرم ابني من حقه في الحياة في مدينة أسلافه، ولم أتصور أبدا أني سأخاف عليه بهذا الشكل بسبب ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»