السياسات الانعزالية تفاقم خطر الإرهاب

TT

بوصفي من المخضرمين، وحاكما أيد نشر حرس تكساس الوطني في العراق وأفغانستان، يمكنني أن أتفهم الشعور وراء الانعزالية. كثير من الناس أنهكتهم الحرب، بالإضافة إلى أن الرغبة في التراجع هي رد فعل طبيعي للإنسان. ولسوء الحظ، نحن نعيش في عالم لن تشكل فيه السياسات الانعزالية إلا خطرا على أمننا القومي.

ولهذا من المؤسف أن نسمع زملاءنا الجمهوريين مثل السيناتور راند بول، النائب عن ولاية كنتاكي، يقترح أنه يجب على أميركا أن تتجاهل ما يحدث في العراق. إن المشكلة الرئيسة التي تكتنف هذه الحجة هي أنها تتجاهل التهديد البالغ الذي تشكله الجماعة التي تطلق على نفسها «الدولة الإسلامية» على الولايات المتحدة والعالم.

يواجه العالم شكلا أكثر راديكالية من أشكال التطرف المتمثل في تنظيم القاعدة، وهو الدولة الإسلامية التي برزت في سوريا وتسيطر على أراض شاسعة، وأسلحة وأموال في تلك الدولة وفي العراق. هذه الجماعة مدربة تدريبا جيدا ومتطورة من الناحية التكنولوجية وبارعة في عمليات التجنيد، حيث يقاتل في صفها آلاف من الناس الذين يحملون جوازات سفر أوروبية، وكذلك بعض الأميركيين.

وهذا يمثل تهديدا حقيقيا على أمننا القومي - الذي يبدو أن بول يغض الطرف عنه بشكل غريب - لأن أيا من حاملي هذه الجوازات يمكنهم ببساطة أن يقوموا بشراء تذكرة طيران، بل يصلوا إلى الولايات المتحدة من دون تأشيرة. إن التفكير في أن أميركيا قام بالفعل بعملية انتحارية وأن إرهابيا أوروبيا متهما بقتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل أمر يقشعر له البدن.

ومع ذلك بول لا يزال يدعو إلى التقاعس، بل ويزعم - في مقالة له نشرت الشهر الماضي في صحيفة «وول ستريت جورنال» - أن مبادئ الرئيس الأسبق رونالد ريغان قادته إلى النتيجة نفسها. ولكن تحليله غير صحيح؛ فقد أغفل بول بسهولة سجل ريغان الدولي بقيادته للعالم أخلاقيا واستراتيجيا.

وعلى عكس غير التدخليين هذه الأيام، اعتقد ريغان أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها الاقتصادي يتطلبان مشاركة وقيادة مستمرتين في الخارج. كما أنه رفض، مثل سلفه أيزنهاور، الانصياع لـ«المتنبئين المزيفين عن الحياة».

وعرف ريغان الشيوعية السوفياتية باعتبارها تهديدا وجوديا لأمننا القومي وللقيم الغربية، وواجه هذا التهديد في كل مناسبة. واليوم نعول كثيرا على الإجراءات الحاسمة التي اتخذها لإلحاق الهزيمة في نهاية المطاف بالاتحاد السوفياتي وتخليص مئات الملايين من الاستبداد.

ومن أجل مواجهة صعود الدولة الإسلامية، يقترح بول وآخرون أن أفضل نهج تجاه هذا التهديد في القرن الحادي والعشرين هو أن نتجاهله. أنا شخصيا لا أومن بسياسة الانتظار والترقب التي تنتهجها الولايات المتحدة خارجيا، ولم يكن ليحبذها ريغان أيضا.

انتهج ريغان أسلوب القيادة من الأمام بفخر، وليس من الخلف، وعندما رسم «خطا أحمر»، عرف العالم ماذا يعني ذلك بالتحديد.

يرسم بول خطا أحمر خاصا به على طول حافة المياه، حافرا خندقا عملاقا حيث تتمكن فيه القوى العظمى من الانسحاب من العالم.

لقد رأينا الرئيس أوباما يرسم خطوطا حمراء، ولكن العالم يعرف الآن أن ذلك مجرد أداة بلاغية أو حيلة تفاوضية وليس وعدا باتخاذ إجراء. هذا النوع من القيادة المضطربة والسلبية مكنت جماعات مثل «الدولة الإسلامية» من النمو ومن لعب دور رئيس في عودة الإرهاب. كما مكنت «القاعدة» من إعادة تنظيم صفوفها.

ونتيجة لذلك، لا توجد خيارات جيدة في العراق أو سوريا. وفاتت فرصة صياغة الأحداث من أجل الأفضل منذ سنوات. إن الخيارات السيئة التي نواجهها اليوم هي ثمن القيادة الفاشلة. ومع ذلك، يستطيع الرئيس، بل يجب أن يقوم بالمزيد من الناحية العسكرية والاستخباراتية من أجل المساعدة على تقويض «الدولة الإسلامية». ويمكن أن تشتمل المساعدة الجادة على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الجوي والضربات الجوية.

عبر الكثير من قادة الأمن القومي عن أسفهم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بشأن حقيقة أنه لم تتخذ إجراءات أكثر لتعقب أسامة بن لادن. أما فيما يتعلق بـ«الدولة الإسلامية»، فإننا نواجه عدوا أكثر تطورا. من الذي يستطيع التشكيك في أن آخرين مثل بن لادن قابعون في المختبرات، ويقومون بإجراء تدريبات على الأراضي التي اكتسبتها هذه المجموعة حديثا؟

وبالنظر إليهما معا، نرى أن سياسات أوباما قادتنا بلا شك إلى هذا الوضع الخطير في العراق وسوريا، وسياسة بول الانعزالية (أو أيا كان المصطلح الذي يفضله) قد تفاقم خطر الإرهاب أكثر من ذلك.

لن يؤدي تجاهل نمو «الدولة الإسلامية» والأحداث في سوريا والعراق إلا إلى ضمان تفاقم المشكلة وتناميها. تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تأخذ هذا التهديد الذي يتهددها على محمل الجد.

بول يدافع بوضوح عن وجهة نظره التي يتبناها الكثير من اليساريين وبعض اليمينيين. ولكن في عالم اليوم المليء بالتهديدات، لا يمكننا «أن نتخذ ملاذا يحجبنا عن الجانب الآخر من المحيط، ولا نهرع للرد إلا بعد أن تفقد الحرية». وهذا كان تحذير الرئيس ريغان. سيكون من الحكمة للسيناتور بول أن يصغي له.

w* خدمة «واشنطن بوست»