آه يا نغم

TT

«عندما تتغير القوانين الأساسية في الدولة، تتغير الأساليب الموسيقية».. (أرسطو) هذا هو بالفعل ما عاشه جيلي في بداية خمسينات القرن الماضي بعد قيام ثورة يوليو (تموز). تغيرت كل القوانين الأساسية في الدولة، فظهرت موسيقى من نوع جديد وظهر جيل جديد من الملحنين والمطربين ومؤلفي الأغاني وكانت قاعدة التغيير في البداية أسماء ثلاثة هم كمال الطويل ومحمد الموجي وعبد الحليم حافظ، وأنبهك، لست أكتب كمؤرخ موسيقي، بل كمستمع. بعد ذلك ظهر بليغ حمدي لينضم لهذه القاعدة القوية. أعرف أنك ستقول على الفور: ولكن ذلك التغيير لم يقترب من أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومحمد القصبجي، نعم لسبب بسيط هو أن أقوى الرياح والزوابع والأعاصير التي تهب على الأرض، ستظل إلى الأبد عاجزة عن النيل من الجبال الراسخة، هم أقوى من القوانين الأساسية التي تغيرت.. إنهم هم أنفسهم القوانين الأساسية في الدولة وفي الموسيقى.

مقولة أرسطو إذن تشير من بعيد إلى صلة قوية بين القوانين الأساسية في الدولة وبين الأساليب الموسيقية، وهذا يعني ببساطة أنك تستطيع فهم أحوال مجتمع ما الاجتماعية والسياسية في مرحلة ما بمجرد السماع لألحانه السائدة.

غير أن سقراط كان أكثر تحديدا وصراحة بخصوص العلاقة بين الموسيقى والقوانين الأساسية في الدولة وذلك عندما قال: «ظهور أساليب غريبة في الموسيقى، تفسد الناس وتهدد بوصول السفلة إلى الحكم على المدى البعيد» الموسيقى الغريبة إذن لا تتسم بأنها رديئة فقط، بل هي تشكل خطرا سياسيا داهما على مستقبل الشعب.. ترى ما الأساليب الغريبة في الموسيقى؟ عندك مثلا ما يسمى بموسيقى «الراي» مثلا، في نظري، هي بالفعل غير ممتعة على أي مستوى وغريبة كلية على الآذان والقلوب، وأعتقد أنها تمثل العجز والفشل عند أصحابها وتقطع بأن لا صلة لهم بالموسيقى.

أما شكسبير فقد ركز على العلاقة بين الموسيقى والبشر من الناحية الأخلاقية وذلك في مسرحيتين هما، تاجر البندقية «هؤلاء الذين لا يحبون الموسيقى ستجدهم أقرب للخيانة»، والمسرحية الأخرى هي يوليوس سيزر «وذلك عندما حذر أنطونيو من بروتس، وقال عنه إنه لا يذهب إلى المسرح ولا يحب الموسيقى. مدللا بذلك على قوة الشر بداخله.

في السنوات الماضية عندما كنت أستمع لموسيقى رديئة كنت أشعر بالخوف، فقد كنت أستعيد في ذاكرتي مقولة سقراط التي حذر فيها من وصول السفلة إلى الحكم. مشكلتي أنني أصدق سقراط كما أصدق كل أصحاب العقول والقلوب الكبيرة في الفكر الإنساني، هذا هو بالضبط ما أشعر به الآن عندما أستمع إلى لحن لا موسيقى فيه.

ليكن في كل مدرسة ابتدائية مدرس للموسيقى، ولتكن في كل مدرسة غرفة تحفظ فيها الآلات الموسيقية، ولتكن هناك مسابقات في كل عام لفرق موسيقى المدارس ذات جوائز كبرى، لتكن هناك جوائز لكل الأطفال العازفين الجيدين..

أكره الموسيقى الرديئة، كما أكره وصول السفلة إلى الحكم في أي بلد عربي.