الدولة اللبنانية تتفكك.. وبكركي تدعو إلى الثورة!

TT

قبل يومين، قال الرئيس نبيه بري عن الوضع المتأزم في لبنان: «إنها مسألة أيام، وإلا فإننا نتجه إلى الأسوأ»... ولكن، ما الأسوأ؟

منسق الأمم المتحدة في بيروت، روس ماونتن، كان قد أجاب سلفا عن السؤال بقوله نهاية الأسبوع الماضي: «إن لبنان يواجه خطر التفكك كدولة، ألقيت على عاتقها أعباء مليون ومائة ألف لاجئ سوري»، أما زميله الممثل الخاص للأمم المتحدة ديريك بلامبلي، فقد نقل إلى المسؤولين رسالة دولية تدعوهم إلى «ضرورة القيام بملء الشغور في رئاسة الجمهورية دون أي تأخير»، وخصوصا في ظل القلق المتزايد، إقليميا ودوليا، من تنامي «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق.

الأخطار التي تواجه لبنان وتهدد الدولة اللبنانية بالتفكك، ليست ناجمة عن تسونامي اللجوء السوري الفوضوي وحده، لأن الأسوأ هو حال التعطيل التي تعصف بمؤسسات الدولة وأدواتها، في وقت ترزح البلاد تحت سلسلة من الإضرابات المطلبية، التي حركتها قوى «8 آذار» دفعة واحدة على خلفية حسابات تتجاوز الشعبوية إلى مزيد من الضرب في خواصر الدولة لإفشالها وتعديل دستورها!

طوفان اللاجئين تجاوز المليونين، فالحدود فالتة لا تسمح بإحصاء كل الداخلين، لكنه يبقى أسهل من الأخطار التي يرتبها تجاوز دستور البلاد، لجهة الاستحقاق الرئاسي والتعطيل المديد الذي يسيطر على مؤسسات الدولة ويضع البلد في مهب الريح.

إن إصرار تكتل «8 آذار» على منع حصول النصاب في جلسات البرلمان لانتخاب رئيس جديد، هو الذي عمق مشكلة التعطيل التي ضربت السلطة التشريعية وباتت تهدد السلطة التنفيذية، في حين تلف البلاد سلسلة من الإضرابات التي تشل العمل في الدوائر الرسمية، وتترك اللبنانيين نهبا للمخاوف والقلق، لكن المثير أن المسؤولين يسابقون المواطنين في الشكوى مما وصلت إليه الأوضاع، ولكأن الحل في أيدي الناس لا في أيديهم!

ليس خافيا أن تعطيل الاستحقاق الرئاسي ناشئ من إصرار كتلة النائب ميشال عون على تعطيل النصاب، ما لم يتم انتخابه رئيسا، ومن دعم «حزب الله» هذا الموقف، ليس حبا في عون، بل بهدف الإبقاء على حال التفكك التي تضرب في الدولة ومؤسساتها، في وقت يغرق هذا الحزب في الوحول الدموية بسوريا!

دستوريا، لا يستطيع مجلس النواب عقد جلسات تشريعية بعدما يتحول هيئة انتخابية عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ومع تمادي الخلاف على تعطيل الاستحقاق الرئاسي، على خلفية تمسك عون بموقف مؤداه؛ أنا أو لا أحد ولو احترق البلد، ضرب التعطيل مجلس النواب، ولهذا حركت «8 آذار» سلسلة من الإضرابات المطلبية في سياق سياسة المزايدة الشعبية على «14 آذار»، من خلال الإيحاء بأن رفض التشريع يمنع الاستجابة لمطالب الموظفين والعمال في البرلمان، وهو ما يشكل التفافا على أن التعطيل ناجم أصلا من عرقلة انتخاب رئيس جديد.

في مواجهة كل هذا، يغرق لبنان في موجة من المواقف المحذرة التي تنذر بأن الاستمرار في الوضع الراهن، يمكن أن يفكك الدولة، ويدفع بلبنان المحاط بزنار من النيران المشتعلة، وقد وصلت إلى حدوده الشمالية الشرقية عبر الاشتباكات في القلمون بين «حزب الله» والمعارضة السورية، وإلى حدوده الجنوبية بعد القصف الإسرائيلي، ردا على الصواريخ التي أطلقت من لبنان دعما لغزة، وهو ما يعمق المخاوف من قيام إسرائيل بعدوان كبير على لبنان، وخصوصا الآن مع غرق «حزب الله» في القتال داخل سوريا.

البطريرك الماروني بشارة الراعي يواصل دعواته إلى النواب لتحمل مسؤولياتهم، وانتخاب رئيس جديد وقد وصل به الاستياء درجة حض الشعب على «الثورة في الشارع في وجه السياسيين الذين لا يلقى منهم إلا الاستهتار وإلاهمال والاستغلال وصم الآذان عن سماع أنينه وإغماض العيون عن الحال البائسة، فبات ضائعا ومشردا كخراف لا راعي لها».

عندما وقف رئيس الحكومة، تمام سلام، قبل يومين، ليتحدث في إفطار «دار الأيتام الإسلامية»، بدا لبنان بأسره دارا للأيتام المتروكين وسط النار والفوضى والمخاطر الأمنية، لأن «الأوضاع بدأت بالتراجع نتيجة تعطيل السلطة التشريعية الذي بدأ يتسلل إلى السلطة التنفيذية»، أما بري الذي سبق أن قال: «إن البلد كجسم بلا رأس» فيرى أن كل يوم يمر يعرّض لبنان لخطر محدق ولفراغ آخر.

نستطيع إضافة كلام روس ماونتن عن إمكان تفكك الدولة اللبنانية، وكلام ديريك بلامبلي عن الخطر المتزايد على لبنان، لكننا سنبقى أمام برية سياسية لبنانية تافهة وأنانية مرتهنة تستطيع أن تبتلع كل الصراخ إلى أن يقع السقف على رؤوس الجميع!