الكحول والقلب.. أوهام وحقائق

TT

أعادت دراسة حديثة للباحثين من بريطانيا تأكيد عدم مصداقية المزاعم بأن تناول القليل من المشروبات الكحولية، وخاصة النبيذ الكحولي، له جدوى في حماية الشرايين القلبية.

وتناقضت طوال العقود الماضية نتائج البحوث والدراسات الطبية الداعمة لجدوى تناول كميات معتدلة من المشروبات الكحولية مع نتائج دراسات طبية أوسع وأدق في إثبات نفي تلك المزاعم الواهية. هذا ولا تزال الهيئات الطبية العالمية المعنية بإعطاء الإرشادات والنصائح الطبية حول أمراض القلب، تتبنى وبكل قوة نفي وجود أي دليل يُشير إلى أن تناول الكحول بأي كمية كانت لجهة الفائدة لصحة القلب.

وفي هذا الشأن، تقول رابطة القلب الأميركية بأن تناول الكحول بكثرة يؤدي إلى ارتفاع الدهون الثلاثية في الدم، ويرفع من مقدار ضغط الدم، ويزيد من عرضة الإصابة بفشل القلب، كما يزيد من احتمالات الإصابة بجلطات الدماغ، واضطرابات إيقاع نبض القلب، والموت المفاجئ. وتُضيف أنه بالنظر إلى كل مضار تناول الكحول فإن الرابطة لا تنصح مطلقا من لا يتناول الكحول أن يبدأ تناوله لحماية شرايين القلب، وتنصح من يتناوله لحماية شرايين القلب أن يستشير طبيبه ويفهم حقيقة الأمر منه، في إشارة منها إلى عدم صحة ذلك.

وحول ما يُذكر عن فوائد محتملة للمواد المضادة للأكسدة في النبيذ على وجه الخصوص، تُؤكد الرابطة أن هذه المواد النافعة موجودة أيضا في الكثير من المنتجات النباتية كالعنب الطازج وعصير العنب غير المحتوي على الكحول. وأكدت بشكل واضح على أن رابطة القلب الأميركية لا تنصح مطلقا بتناول النبيذ أو أي من المشروبات الكحولية ابتغاء فائدة منها، إذْ لا يوجد إثبات علمي على حد وصفها بأن النبيذ أو أي مشروبات كحولية تستطيع أن تحل محل فوائد المحافظة على الوزن المعتدل للجسم وممارسة الرياضة البدنية ومعالجة ارتفاع الضغط والكولسترول.

وأضافت أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد حذرت مرارا وأوصت بالامتناع عن تناول الكحول مطلقا عند تناول أقراص الأسبرين بشكل يومي، وهو العقار الذي يتعين على مرضى شرايين القلب تناوله بشكل يومي ما لم تكن هناك موانع طبية من ذلك. ومع هذا لا تزال هناك من آن لآخر محاولات لإثبات أن تناول الكحول مفيد للقلب.

واتخذت الدراسة البريطانية الحديثة مسارا مختلفا في إثبات حقيقة عدم جدوى تناول الكحول لصحة القلب، وذلك بإعادة مراجعة تحليلات نتائج أكثر من 50 دراسة سابقة فحصت العلاقة بين عادات تناول الكحول ومستوى صحة القلب، وهي التي شملت أكثر من 260 ألف شخص. وتحديدا تناولت بالتحليل حالات الأشخاص الذين لديهم جينات معينة تُحفز تفاعل الجسم بشكل سلبي مع تناول أي كميات من الكحول، أي الذين تظهر عليهم أعراض من الغثيان والقيء واحمرار الوجه بشكل مزعج جدا بُعيد تناول الكحول نتيجة لتفاعلات الجسم مع تفتيت وهضم مكونات الكحول داخل أنسجة الجسم. ويُلاحظ لدى هؤلاء الأشخاص على المدى الطويل انخفاض كميات الكحول المتناولة أو التوقف تماما عن تناوله.

ولاحظ الباحثون من خلال التدقيق في حالة هذه الفئة من الناس أن لديهم معدلات أقل في مقدار ارتفاع ضغط الدم، ومعدلات أقل في وزن الجسم ومؤشر كتلة الجسم BMI، وانخفاض بنسبة تفوق 10 في المائة في احتمالات خطورة الإصابة بأمراض القلب، وذلك مقارنة بغيرهم ممن يتناولون المشروبات الكحولية. ووفق ما تم نشره في دراستهم ضمن عدد 11 يوليو (تموز) للمجلة الطبية البريطانية «BMJ»، أفاد الباحثون في نتائجهم أن الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية، حتى من قبل أولئك الذين يتناولون كميات قليلة منها، سيكون ذا تأثيرات إيجابية في تعزيز صحة القلب. وعلقت البروفسورة جوان كاسيس، الباحثة الرئيسة في الدراسة وأستاذة علم الأوبئة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية، بالقول: «رغم أن وضوح التأثيرات المدمرّة للإكثار من تناول الكحول على صحة القلب، فإننا وعلى مدى العقود الماضية نسمع عن تقارير طبية تفيد عن احتمال وجود فوائد صحية قلبية لتناول كميات قليلة أو معتدلة من الكحول. وفي دراستنا رأينا وجود علاقة واضحة بين خفض استهلاك الكحول وتحسّن مستوى صحة القلب حتى لدى الأشخاص الذين كانوا بالأصل يتناولون كميات قليلة أو معتدلة من الكحول».

وعلق الدكتور شانون أموليز، المستشار البارز للأبحاث في مؤسسة القلب البريطانية، بالقول: «الدراسات حول تناول الكحول تحفّها الصعوبات دوما بسبب احتمالات عدم الدقة في المعلومات التي يُدلي بها المشمولون في تلك الدراسات، ولذا اتخذ الباحثون طريقة ذكية جدا في تصميم الدراسة للتغلب على هذه الصعوبة عبر النظر إلى الجينات وتأثيراتها». وأضاف: «النتائج تُعيد تعزيز الإرشادات الطبية التي تشدد على أنه حتى تناول الكحول بكميات قليلة أو معتدلة هو أمر غير صحي للقلب».

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]