حملة سلفية على «دولة داعش» الإسلامية

TT

من المتوقع أن تزداد شراسة «داعش»، وسوف تحاول بكل الوسائل البشعة والسوداء كسب أراضٍ ‎جديدة، وقتل أو تهجير أبناء تلك الأراضي نتيجة صراعات داخلية، فهي كـ«دولة الخلافة» تريد أن تثبت لبقية الجماعات السلفية المتطرفة، أنها، برضاهم أو غصبا عنهم، من يجب أن يعلنوا الولاء لأميرها أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه الخليفة إبراهيم، ولم يعد يطل على رعيته منذ ذلك الإعلان.. ذلك أن الخلافات بين هذه الجماعات وصلت إلى الذروة، وكل جماعة تشكك في أهلية البغدادي وفي شرعية دولة خلافته، ثم إن كل جماعة، كما يبدو، تتخبط بين أن تسرع وتنافس البغدادي بإعلان خلافتها الإسلامية، أو تتراجع وتنتظر كي لا ينقلب عليها الحلفاء التي لا تزال بحاجة إليهم.

كل هذه الجماعات تتطلع إلى أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» ليعلن موقفا وحتى الآن لم يفعل. وبسبب تململ الجهاديين قرر سنافي النصر، أحد كبار «القاعدة»، في 10 يوليو (تموز) الماضي، تذكير المنتظرين بموقف الظواهري الذي أعلنه في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بالنسبة لـ«الدولة الإسلامية»: «وتعلمون أيها الأحبة الكرام أننا دعونا الجميع لأن يسعوا لإقامة الحكومة المسلمة في شام الرباط والجهاد، وأن يختاروا من يرضونه - حاكما لهم (...) وإننا لا نرضى أن يفرض أحد نفسه عليهم (...)». لكن «داعش» رفضت شرح الظواهري، وفي أوائل فبراير (شباط) الماضي تبرأ تنظيم «القاعدة» من البغدادي.

بعد يومين أصدرت «قاعدة شبه الجزيرة العربية» رسالتين؛ إحداهما تفيض ثناء على الظواهري، لكن لم تتضمن الرسالتان أي إشارة إلى «الدولة الإسلامية» أو البغدادي.

في 10يوليو الماضي دعا تنظيم «طالبان» في بيان له الأطراف الجهادية المتصارعة في سوريا إلى المصالحة، ولم يشر إلى «الدولة الإسلامية» التي أعلنها البغدادي. «طالبان» تعدّ نفسها دولة إسلامية إقليمية، ولا يمكن لإمارة الملا عمر أن تتبع الخليفة إبراهيم. وكان أبو محمد المقدسي، المنظّر الجهادي صاحب التأثير القوي (مسجون في الأردن)، أصدر بيانا انتقد فيه «أوامر» البغدادي، وقال إن فتوى الخليفة الجديد بضرورة طاعة كل المسلمين له، إنما تؤدي إلى مزيد من سفك دماء المسلمين وتحث الجهاديين على عدم إطاعة أوامر السلطة، وبالذات أوامر الشيخ أيمن الظواهري، ثم تساءل المقدسي: «أين يقع طالبان في مخطط هذه (الدولة الإسلامية)؟ وماذا عن إمارة القوقاز؟».

طالبان في بيانه، انتقد البغدادي: «المسلمون يجب أن يتجنبوا التطرف في الدين، ويجب تشكيل مجلس شورى من قادة كل الأطراف الجهادية (..........)».

إنه لمن المثير أن يشجب «طالبان» التطرف، لكن الجهاديين، غير «داعش»، ينتقدون دموية «الدولة الإسلامية» التي تطبق الشريعة حسب تفسير البغدادي.

اللافت في الأمر، أن دولة البغدادي أحيت الملا عمر، فهو في رسالته بمناسبة انتهاء شهر رمضان، أشاد بإنجازات إمارته الإسلامية التي أصبحت أقوى، ودعا المجاهدين إلى استقبال المنشقين عن الجيش والمعارضة بأذرع مفتوحة. قال الملا عمر إن «إمارة أفغانستان الإسلامية كسبت الشرعية في أعين كثير من دول العالم، وهذا يعود إلى عمل مكتبنا السياسي في قطر الذي يسير حسب إرشاداتنا».

لم يتوقف الأمر عند هذا الحدp ففي 28 يوليو الماضي بث «شيبة الحكماء»، من أتباع الظواهري المخلصين، على موقعه الإلكتروني شرحا عن بيعة الملا عمر أميرا للمؤمنين، وأرفق بذلك فيديو لأسامة بن لادن مسجلا عام 2001، وكان موقع «السحاب» الذراع الإعلامية لـ«القاعدة» بثه في 13 يوليو الماضي، بهدف تقويض شرعية البغدادي خليفة للمسلمين. فيه سئل بن لادن عن مبايعة الملا عمر فرأى أنها مبايعة عظيمة، ثم دعا عمر بـ«أمير المؤمنين»، ودعا أيضا كل المسلمين لتقديم الولاء له. وعندما قيل لأسامة بن لادن إن الملا عمر لا يتحدر من قريش، كان رده: هذا عامل ثانوي.

«شيبة الحكماء» كتب تغريدة ليفسر هذا الفيديو: «(القاعدة) وكل الفروع ملزمة ببيعة الملا عمر».

في الأسابيع الأخيرة كثر النقاش في دوائر الجهاديين عن بيعة الملا عمر، وفي أول عدد من مطبوعة «النفير» لـ«القاعدة» جاء: «إن تنظيم (القاعدة) وفروعه في كل مكان هم جنود بين جنود الملا عمر».

من جهة أخرى، تحرك تنظيم «قاعدة المغرب الإسلامي»، وفي 14 يوليو الماضي أصدر بيانا يعلق فيه على «الدولة الإسلامية» ويؤكد ولاءه للظواهري. انتقد كيف أن دولة البغدادي لم تبحث عن دعم كبار قادة الجهاد مثل الظواهري والملا عمر «الذي ضحى بدولة كاملة (أفغانستان) من أجل مجموعة صغيرة من الجهاديين بينهم مؤسس (الدولة الإسلامية في العراق) أبو مصعب الزرقاوي».

ثم تسرب في 12 يوليو تسجيلا لزعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني يبحث فيه هو الآخر إقامة دولة إسلامية في سوريا، وقال لمقاتليه: لن تذهب تضحياتكم هدرا. وقال عن خلافة البغدادي: «إنها باطلة، وتدفع إلى القتال بين المجاهدين».

وفي نهاية التسجيل يهتف الحضور: «كلنا (قاعدة)، كلنا أسامة، كلنا ظواهري، كلنا جولاني».

في اليوم التالي لبث هذا التسجيل، أصدرت «جبهة النصرة» توضيحا نفت فيه أن تكون أعلنت عن إقامة دولتها الإسلامية: «إن (جبهة النصرة) مصرة على توحيد الصفوف لمواجهة الأخطار التي تهدد جبهة الجهاد في سوريا؛ إن كانت أخطار النصيرية، أو مجموعة الخوارج والغلاة».

لكن «الجبهة الإسلامية السورية» أصدرت بيانا في 22 يوليو رفضت فيه إعلان الخلافة وحذرت من أي إمارة إسلامية جديدة مقترحة، ورفضت قول الجولاني إنه لن يعلن أي خلافة «لا تكون مقبولة من الشعب ومن أهل الحل والعقد».

وصل رفض خلافة البغدادي إلى الهند وباكستان؛ حيث قال الزعيم الهندي المسلم إس. ك. آر إيلياس، العضو في مجلس قانون الأحوال الشخصية لكل مسلمي الهند: «لا يمكن إعلان الخلافة قبل إقامة دولة الرفاة (...). بالنسبة إلى (داعش)، نشك في استمراريتها. الإسلام لا يسمح بالعنف الطائفي. إذا كنت تقتل المسلمين فأنت ضد الإسلام (...)».

أما الداعية الإسلامي الباكستاني خالد ظهير فقال: «لا مفهوم في الإسلام للخلافة كما تُقدم اليوم (...) هذا سببه سوء فهم عدد من المسلمين للتاريخ الإسلامي».

مما سبق، لا يبدو أن البغدادي خليفة شرعي. الخليفة يختاره الشعب، وفي حالته، فإن أغلبية الجهاديين لا تتفق مع مشروعه، فكيف بالأحرى الشعب؟ وإذا كان الشعب ضد «داعش»، والجهاديون ضد خلافتها، فمن أين تستمد هذه القوة؟ ومن الذي يقف وراءها؟