جدوى «مراكز مكافحة الأمراض واتقائها»

TT

تكامل منظومة أفرع تقديم الخدمات الطبية والصحية إحدى الأولويات في تكوين أي نظام صحي وطبي فعال، في خدماته لعلاج المرضى ووقاية الأصحاء. ومع وصول جائحة «إيبولا» الفيروسية في غرب أفريقيا، إلى حد فقد السيطرة المحلية عليها، تتوالى التفاعلات العالمية لحماية المجتمعات المحلية الأخرى، إضافة إلى مساعدة المناطق المنكوبة بشتى أنواع المساعدات التي تدعم الحد من فقدان السيطرة. والعالم اليوم غدا قرية صغيرة في الجانب الصحي، بسبب سهولة وسائل المواصلات والنقل للناس عبر الدول والقارات، ومن البديهي أن تتمثل أوائل تلك التفاعلات العالمية في توضيح المعلومات الأساسية عن المرض وكيفية التعامل معه في المناطق المنكوبة وخارجها، والهيئات المعنية بالصحة العامة في دول العالم المختلفة هي التي من ضمن مهامها القيام بذلك.

وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تأسست «مراكز مكافحة الأمراض واتقائها» (CDC) في عام 1946 كإحدى الوكالات الفيدرالية التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة، ومن أهدافها الرئيسة حماية الصحة العامة والسلامة لمواطني الولايات المتحدة من خلال عملها في السيطرة على الأمراض والوقاية منها ومن الإصابات والإعاقات. وفي جانب من تحقيق هذا، تقوم برصد واقع حال الأمراض المعدية على وجه الخصوص، وبتوجيه اهتمام الناس للحصول على المعلومات اللازمة عنها وتحديث المعرفة بها، وترصد أيضا حالات تفشي الأمراض الناجمة عن تلوث الأطعمة والصحة البيئية والسلامة المهنية والوظيفية، وتتولى إجراء الحملات الصحية التثقيفية وغيرها من الأنشطة التي ترفع من مستوى الصحة العامة وتعزز معرفة الناس عنها. وهي وإن كانت بداياتها مؤسسة معنية فقط بمكافحة الملاريا، التي كانت تستوطن مناطق جنوب الولايات المتحدة، إلا أنها تطورت في قدراتها وإنجازاتها، وبالتالي تطورت في مسؤولياتها ومهامها خلال العقود الستة الماضية، وتطورت ميزانيتها من مليون دولار في بدايات إنشائها إلى 11.3 مليار دولار في عام 2014.

ومراكز مكافحة الأمراض واتقائها حاضرة بالتفاعل مع التغيرات الصحية المحلية والعالمية، وبالتزامن مع إعلان منظمة الصحة العالمية (WHO) ارتفاع الوفيات من الجائحة الحالية لـ«إيبولا» (Ebola Outbreak) بدول غرب أفريقيا إلى 729 وفاة في 31 يوليو (تموز) الماضي، أعلنت مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة رفع درجة التحذير من سفر مواطنيها إلى تلك المنطق إلى مستوى الدرجة الثالثة Level 3 Travel Advisory، وتحديدا إلى غينيا وسيراليون وليبريا.

وأفاد الدكتور توم فريدن، مدير المراكز، بالقول: «وضع جائحة (إيبولا) يزداد سوءا في غرب أفريقيا، وتحذير السفر هذا يعطي للسلطات الصحية المحلية في تلك المناطق فرصة للتركيز على ضبط انفلات تفشي الجائحة دون مزيد من القلق على سلامة أناس إضافيين قادمين إلى تلك المناطق من مناطق أخرى، مع الإبقاء على إتاحة فرصة السفر إليها للمساهمين في تقديم مساعدات طبية إليها. لقد كان سوء تفشي الجائحة في جانب منه بسبب أن الدول تلك لم تتعامل من قبل مع (إيبولا)، ولم تكن مستعدة لذلك»، في إشارة منه إلى رصد الهيئات الصحية العالمية 21 حالة تفشي لـ«إيبولا» منذ عام 1976. لم يحصل أي منها في الدول المتفشية فيها حاليا.

ومعلوم أن اكتشاف فيروس «إيبولا» جرى في عام 1976، وأن في العشرين جائحة السابقة لتفشي «إيبولا»، تجاوز عدد المتوفين مائة شخص في كل واحدة من ستة جائحات، وأقل من ذلك في كل واحدة من الجائحات الـ15 الأخرى لـ«إيبولا»، وأقصى عدد وفيات كان 431 شخصا في جائحة «إيبولا» الأولى عام 1976 بالكونغو والسودان، وهو أمر متوقع لأن المرض لم يعرف من قبل، وحتى اليوم لا يتوفر له لقاح. وأضاف: «وضع حد لهذه الجائحة لن يكون سريعا ولن يكون سهلا، ولكننا نعرف ما يجب القيام به، وسنرسل 50 من الخبراء لهذا الغرض في الشهر المقبل»، في إشارة منه إلى تراكم كثير من المعرفة الطبية حول هذا الفيروس، وكيفية التعامل معه خلال العقود الماضية. واستطرد بالقول: «في هذه المرحلة لن نخضع المسافرين القادمين من تلك الدول لفحص (إيبولا) بوصولهم إلى الولايات المتحدة، ومن المهم ملاحظة أن (إيبولا) ليس مُعديا إذا لم تظهر على المصاب أعراض المرض، والعدوى تكون باللمس المباشر لسوائل جسم المصاب، ولذا سنساعد في جهود الدول تلك لمنع سفر الأشخاص المصابين بـ(إيبولا) قبل صعودهم إلى الطائرة المغادرة منها».

وعبارات الدكتور فريدن، وإن كانت مختصرة، فإنها واضحة ومحددة في ذكر أهم النقاط المتعلقة بكيفية تعامل المجتمعات مع جائحة وبائية تقع في منطقة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن مراكز مكافحة الأمراض واتقائها أعادت مراجعة تعريفات تنبيهات السفر (Travel Notice) الخاصة بها في 5 أبريل (نيسان) 2013 من أجل جعل الإعلانات المتعلقة بها أبسط وأيسر لفهم لعموم الناس والمسافرين ومقدمي الرعاية الصحية.

وحددتها ضمن ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول ذو اللون الأخضر بعنوان «راقب»، وهو يطلب من المسافر تذكر ضرورة اتباع الاحتياطات المعتادة لحالات معينة، مثل تدابير الوقاية من قرص البعوض للمسافرين إلى بنما حينما حصلت حالة تفشي حمى الضنك فيها. والمستوى الثاني ذو اللون الأصفر بعنوان «تنبه»، وهو يطلب من المسافر اتباع اتخاذ تدابير وقاية أعلى، مثل التأكد من تلقي لقاح الحمى الصفراء للمسافرين إلى البرازيل عندما تفشت تلك الحمى خارج المناطق المعتاد تفشيها فيها بالبرازيل.

والمستوى الثالث ذو اللون الأحمر بعنوان «تحذير»، وهو يطلب تجنب كل سفر غير ضروري إلى تلك المنطقة، كما حصل قبل بضعة أعوام في حالة سارس جنوب شرقي آسيا.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]