«داعش» إلى أين؟

TT

في المقال السابق، أشرت إلى أن فشل «داعش» المؤكد في بغداد وسامراء سيدفعه إلى تسخين الموقف في إقليم كردستان، مهما قيل عن أي شكل من خطوط التفاهم بين الطرفين، وهو ما حدث بعد يومين فقط من ذلك، حيث هاجمت قوات «داعش» وحدات البيشمركة في سد الموصل وقضاء سنجار ومنفذ ربيعة وغيرها من المواقع، وتمكنت من تحقيق نجاحات سريعة ومفاجئة على شاكلة ما حدث في الموصل، وفرضت السيطرة على مدينة سنجار وغيرها من مناطق الهجوم. ولولا التسهيلات التي قدمها المسلحون الكرد السوريون في ربيعة لعملية الانسحاب القسري لأفواج من البيشمركة لحدثت كارثة مماثلة لوقوع طلاب الكلية الجوية العراقية في الأسر، قبل أن يعدموا بالمئات على يد «الدواعش»، وقد شنت قوات البيشمركة هجوما مقابلا بدعم جوي عراقي، إلا أن معارك من هذا النمط تتطلب وقتا.

وبعد الإخفاق الكبير الذي واجهه «الدواعش» في سامراء وبغداد، لم تعد نياتهم مثيرة للقلق حيال وضع العاصمة العراقية، وتشير تحركاتهم في سوريا وشمال العراق إلى أن هدفهم المركزي قد تحول إلى فرض السيطرة على المنطقة الممتدة من منشآت نفط الشمال بما في ذلك مدينة كركوك النفطية شرقا إلى البحر الأبيض المتوسط غربا في الشمال السوري، ووضع كهذا يؤمن لهم - إذا ما تحقق - موارد نفطية ضخمة، ومرافئ لتهريب النفط والسلاح وتدفق الإرهابيين، وهو هدف خطير على الرغم من صعوبات تحققه في ظل تنامي القدرات القتالية العراقية بعد احتواء انتكاسة سقوط الموصل.

ومن ناحية استراتيجية خطيرة أخرى، فإذا ما فرض «داعش» سيطرته على سد الموصل وسد حديثة ونواظمه، وسد دربندخان، فستتعرض بغداد ومدن جنوب العراق لخطر مدمر، بإغراقها بمليارات الأمتار المكعبة من مياه بحيرات السدود، وهو تهديد جعل العمليات مصيرية، كما جعل طروحات التفكيك والأقلمة أوهاما غير قابلة للمناقشة الجدية من قبل الكتل السياسية. ولا يزال التهديد قائما، مما أعطى أهمية استراتيجية حاسمة لسد سامراء، الذي يعتبر خط الحماية الأخير لمدينة بغداد تجاه موجات الإغراق، إذا ما فقدت السيطرة على سد الموصل.

وفي ضوء التطورات الأخيرة، فإن إقليم كردستان لم يعد جزيرة آمنة وسط محيط مضطرب، وأصبح منطقة معرضة للمزيد من الهجمات الإرهابية، لا سيما أن «منظمة أنصار الإسلام» المتطرفة نشأت في كردستان قبل سقوط نظام صدام حسين وشنت الكثير من الهجمات الدموية، مما يعني وجود أرضية ملائمة لعمل «داعش»، وهو ما يؤدي إلى اتساع رقعة الحرب، التي حاولت رئاسة الإقليم تجنب المشاركة فيها رغم حاجة العراق الملحة في مراحلها الأولى.

إذن، على مستوى العراق وسوريا ستزداد حدة الحرب من كركوك إلى الساحل السوري في مرحلة لاحقة، أما جبهة بغداد، فالحديث عن اقتحامها أصبح وهما كبيرا، وسيصبح الهم الكردي كبيرا للغاية، وستزداد حاجتهم إلى بغداد، وستنخفض سقوف طلبات رئاسة الإقليم، وأصبح أصحاب مشاريع الأقلمة من عرب العراق في مأزق لا خروج منه. وبالطبع ستستمر الحرب لفترة طويلة، وستزداد خسائر المدنيين والبنية التحتية، غير أن خطر تدمير دولة العراق لم يعد قائما، وقصص خرائط الشرق الأوسط الجديد ستركن على رفوف مهملة. وفي مجال الحركات المسلحة الأخرى، فلن يبقى تحالف حقيقي لـ«داعش» مع أي جماعات مسلحة، بعثية أو دينية، لأنه صاحب الكلمة الوحيدة في رؤيته ونياته.

أما على المستوى الإقليمي، فليس متوقعا ولا ممكنا قيام «داعش» بنشاطات على غرار ما حدث في الموصل، وذلك، بسبب التفاوت في توازنات القوى والعلاقات الداخلية، إلا أن زيادة أعداد عناصر التنظيم والنجاح المتحقق في الموصل سيعززان احتمالات حركة خلايا صغيرة تتطلب تدابير أمنية مشددة، لكن مثل هذه الرؤية لا تنطبق على الوضع الداخلي التركي، لوجود مطالب قومية ودينية على مستويات مؤثرة، فضلا عن طبيعة الأراضي ومجاورتها لمناطق حساسة من اتجاهات عدة.

من المستبعد حدوث متغيرات صادمة على مدى أسابيع، وحتى المواد والمعدات العسكرية التي استولى عليها «داعش» أصبحت محسوبة إلى حد يساعد في اتخاذ تدابير المعالجة، ولم يعد عنصر المباغتة قائما من قبل العراقيين على الأقل، فكل شيء بات محسوبا، وبدأت المعدات القتالية تتدفق على العراق بنوعيات مهمة ومؤثرة، ويبدو أن عملية الاستيعاب والتشغيل تجري بمستويات معقولة.