توفيرا للذخيرة

TT

وضع جان بول سارتر روايته «الجدار»، مستوحيا اجواء ومناخات الحرب الاهلية الاسبانية. سوف انقل منها المقطعين التاليين: «وسأل طوم احد الحارسين: ما هذا؟. فسأله الحارس: ماذا تعني؟ قال طوم: هل كان هذا الاستجواب الاولي ام المحاكمة؟ فاجاب الحارس: لقد كانت تلك المحاكمة. فعاد طوم يسأل: والآن ماذا؟ ماذا سيفعلون بنا؟ فأجاب الحارس: سوف تبلغ بالحكم في الزنزانة».

المقطع الثاني من «الجدار»: «ومضى طوم يقول، هل تعرف ماذا يفعلون في ساراغوسا؟ انهم يطعجون الاسرى على الطريق، ثم يسيرون فوقهم بالشاحنات. لقد اخبرنا بذلك فار مغربي. انهم يقولون ان ذلك يوفر عليهم الذخيرة! فقلت معلقا: حسنا. لكنهم لا يوفرون البنزين».

روت «الشرق الأوسط» ان تاجرا سعوديا ذهب لشراء السلع الرخيصة في افغانستان فاعتقل وسجن بتهمة الاعداد لاغتيال اسامة بن لادن. اي على وجه التحديد الرجل الذي اخفقت كل الاساطيل البحرية والجوية والاقمار الصناعية في الوصول اليه. ومع ذلك اعتقل رجل اعزل بالتهمة الكبرى: محاولة اختراق اكبر حماية سرية في العالم! وفي السجن طرح الرجل على الارض وحرم في الايام الاولى حتى من المياه. وعندما تقرر تزويده ماء وطعاما، اعطي مياها قذرة وكسرة خبره في اليوم، كل يوم.

الآن يعرض رجال «التحالف الشرقي» اسراهم من طالبان على آلات التصوير العالمية. هم وقروحهم. هم وضماداتهم. هم وانهاكهم. «لقد شعرت» يقول سارتر في «الجدار» بلسان سجينه: «لقد شعرت انني متعب مثل كلب»! تغيب المشاعر الانسانية في الحروب الاهلية عن جميع الفرقاء. وتظل محاولة التميز الوحيدة في مدى الهمجية والوحشية وفي مدى فظاعة الثأر والانتقام. ولا يعود ممكنا لاحد ان يعرف اي المشاهد اكثر همجية: معاملة السجناء في سجون طالبان ام معاملة الاسرى عند تحالف الشمال وتحالف الشرق وتحالف الغرب وتحالف الجنوب.

للانتصار معنى واحد في الحروب الاهلية التي لا تشبع من جثثها ولا من اشلائها: انه اذلال الآخر والتأكد من ان هزيمته لا تحمل اي امل بالرجوع. لا مكان له بعد اليوم، بصرف النظر عما ومَن يمثل. بصرف النظر عن وحدة الجذر والعرق والعقيدة. بل بصرف النظر حتى عن قربى الارحام والشرايين. الهزيمة تعني شيئا واحدا: حرية التنكيل بالمهزوم.

ثمة اغراء شديد باللجوء الى سارتر من اجل المقطع الختامي ايضا: «حوالي الثامنة مساء دخل القبو ضابط برتبة رائد واثنان من الميليشيا. ثم وضع نظارتيه واخذ يتفحص اللائحة التي معه. وقال: «شتاينبوك ـ شتاينبوك... ها انت. انك محكوم بالموت. سوف تعدم بالرصاص صباح غد».

ثم اشار الينا وقال: «والاثنان الآخران ايضا». وصرخ خوان معترضا: «مستحيل. مستحيل. انا لا». وتطلع اليه الرائد مفاجأ وقال: «ما هو اسمك»؟ فاجاب «خوان ميربال». فقال الرائد: «حسنا. اسمك هنا وانت محكوم بالموت».

«انني لم افعل شيئا» قال خوان.

وهز الرائد كتفيه ثم نظر الى طوم واليّ وقال: «انتما من الباسك، اليس كذلك؟». واجبنا: «لا. لا احد هنا من الباسك». فبدا عليه التبرم، وقال: «لقد ابلغت ان هناك ثلاثة من الباسك. ولن اضيع وقتي الآن في مطاردتهم. هل ترغبون في طبيب اللحظة الاخيرة»؟