خرج ولم يعد!

TT

شاهدت مؤخراً على احدى القنوات الفضائية فيلماً مصرياً اسمه «خرج ولم يعد»، من تمثيل يحيى الفخراني وآخرين.

وقد اعجبني الفيلم، فهو في جوهره ينادي بالعودة الى الطبيعة، والسؤال: هل كان توارد خواطر بين مؤلف الفيلم، وبين قصة مشهورة عن الفيلسوف والشاعر الاسباني جورج سانتيانا؟

ان سانتيانا صاحب الكتاب الشهير «حياة العقل» يقول: ان اروع دروس الحياة هي تلك التي نتعلمها من الطبيعة التي حولنا.

وقد كان سانتيانا استاذاً للفلسفة في جامعة هارفارد الاميركية، وهي الجامعة نفسها التي تخرج فيها او منها، وكانت دعوته للاندماج في الطبيعة محور فلسفته، وحواره مع طلبته.

ونأتي الى القصة التي تتشابه كثيرا مع قصة الفيلم المصري، فعندما طعن الفيلسوف في السن، وبدأت حركته تضعف وكذلك سمعه، بدأ يحس بثقل الحياة الدراسية عليه.

وذات يوم بعد ثلاثين عاما من العمل، وفي المدرج الذي يدرس فيه، ترك مقعده واتجه الى النافذة، ونظر الى الحديقة.. كانت تجيش بالزهور والورود.

وقف سانتيانا يتأمل الحديقة كأنما يراها لأول مرة، ثم استدار ونظر الى طلبته، كانوا جميعا في انتظار ان يتم محاضرته التي بدأها، ولكنه لم يفعل، بل قال: اخشى يا ابنائي ألا استطيع اكمال حديثي معكم، انني على موعد مع الطبيعة! ولم يزد حرفاً على ما قاله، بل ترك قاعة المحاضرات ولم يعد اليها بعد ذلك أبداً.

وقضى سانتيانا بقية حياته متنقلاً بين حدائق العالم كله او اكثره، وحقق حلمه وفلسفته في وقت واحد، والتي تتلخص في جملة واحدة: «ان الطبيعة هي التي تعلمنا».

وقد كانت الفترة الاخيرة من عمره، الفترة التي قضاها بين احضان الطبيعة هي اخصب سنوات عمره انتاجاً! لقد خرج ولم يعد، فقد كانت وراءه مهمة اخرى اخطر بكثير من التدريس للطلبة، فقد كان عليه ان يدرس للعالم!