من أمجادنا العسكرية

TT

لكل جيش معارك مجيدة يعتز بها. الانكليز يعتزون بمجد معركة واترلو والفرنسيون يعتزون بمعركة اوسترلتز التي خاضها نابليون ضد النمسا والروس يعتزون بمعركة ستالينغراد. والاتراك يعتزون بحصار تشني قلعة.

عندما تأسس الجيش العراقي لم يكن له اي تاريخ عسكري. خاض في الثلاثينات حملة دموية ضد الآشوريين في الشمال وحملة مشابهة ضد الاكراد في السليمانية. وفي كلتا الحملتين، لم يكن في اي منهما ما تعتز به القيادة العراقية في ضرب مواطنيها وقراهم العزلاء. فآثر القوم طي هاتين الصفحتين وتناسيهما.

وبقينا كطلاب مدارس محرومين من الاعتزاز بأي مجد عسكري لجيشنا الوليد. ولكن جاءتنا الفرصة الميمونة بعد قليل عندما دخل الجنود بمخانقة مع افراد الشرطة، فجرت بين الطرفين معركة حامية في شارع الرشيد استعمل فيها الجنود احزمتهم الغليظة ذات النهاية المعدنية الثقيلة، في حين استعملت الشرطة هراواتها. لا اتذكر سبب المعركة، ولكنه لا بد ان يكون سببا رفيعا كما هو الحال في كل المعارك المعاصرة التي خضناها. قال لي بعض الاخوان ان السبب كان محاولة الجنود دخول سينما رويال بدون تذاكر.

وعلى كل، فقد دخلت تلك المعركة التي انتصر فيها الجنود على الشرطة واذاقوهم بسطة (وهو ما يعنيه العراقيون بالعلقة) أليمة في الفولكلور الشعبي العراقي عن امجاد جيشهم. كلما طرح موضوع بسالة الجندي العراقي وكفاءة القوات المسلحة العراقية، كنا نشير الى تلك البسطة التي بسطوا بها الشرطة.

ولكن للجيش العراقي سجلا مستمرا من الحروب والمعارك. ما ان انتهت معركة سينما رويال، حتى دخلت قطعات الجيش في معركة ضد الورديانية ـ وهم حرس السجون. وهذه معركة شهدتها وانا طفل، بسبب بيتنا المجاور للسجن المركزي في باب المعظم. يظهر ان الجنود الذين كانوا يزورون اقرباءهم السجناء، رفضوا الخروج في الوقت المحدد. فاضطر الورديانية الى محاولة اخراجهم بالقوة فانفجرت المعركة بين الطرفين.

ما زلت اتذكر بعض الجنود وهم يخرجون من بوابة السجن والدم يتصبب من رؤوسهم ووجوههم، والصراخ يدوي وراء الاسوار، والجنود ينشدون اناشيدهم الوطنية ويصرخون صرخة الحرب الاسلامية «الله اكبر». لم تذكر الجرائد كم جرح او استشهد في تلك المعركة. وبقي السؤال غامضا: من انتصر ومن انهزم، الجنود ام الورديانية؟ وحتى الآن لم اجد احدا من المؤرخين العراقيين الافاضل يعطي الجواب القاطع في الموضوع.

بيد ان النزاع بين الجيش والشرطة استمر. فعندما سمعنا بان فريق الطيران لكرة القدم سيسابق فريق الشرطة، اسرعنا جميعا الى ساحة السباق، وكلنا امل في ان مخانقة جديدة هائلة ستجري بين الجنود والجندرمة، وان الشرطة ستذوق بسطة جديدة. ولكننا رجعنا خائبين. فلم تقع تلك المعركة. بيد ان ايماننا بمراجل الجيش لم تتزعزع. فعندما دخل العراق في حرب مع بريطانيا بحركة مايس 1941، استبشرنا جميعا بأن الانكليز سيذوقون درسا لن ينسوه من الجيش العراقي. رحنا نستبشر ونذكر بعضنا البعض، «ما تتذكر يا ولد شلون بسطوا الشرطة بزمن الملك غازي؟» ويرد عليك زميلك فيقول «وهذي لا شيء. لا تنس شلون بسطوا الورديانية وكسروا عظامهم بمعركة السجن المركزي».