سر فوز إردوغان!

TT

فاز رجب طيب إردوغان بانتخابات الرئاسة التركية، تمكن من تحقيق نتيجة محترمة ولم يكن بحاجة لجولة ثانية وحسم السباق من أول جولة، ولكن الغريب والعجيب هو ما يتم ترديده في أوساط أنصار جماعة الإخوان المسلمين وأنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عن أوجه المقارنة بين إردوغان ومحمد مرسي ووجود الكثير من أوجه الشبه، وهي مسألة تشبه من يقارن فريق ريال مدريد وفريق الكتكوت المفترس.

فاز رجب طيب إردوغان لأنه حقق الشرعية، والشرعية استمدها من خط التنمية الذي حقق خططها بتحسين معدلات النمو الاقتصادي وتطوير معدلات الإنتاج وتخفيض نسبة البطالة ورفع كفاءة المهنية وسمعة الاقتصاد التركي عموما، مما ولّد إحساسا بالثقة لدى الأتراك.. هذه هي شرعية إردوغان الحقيقية التي نجح فيها بمهارة وتميز، لأننا لو أخذنا المعايير «الإخوانية» للحكم على إردوغان لوجب عليه القصاص وإقامة الحد بحسب مفهومهم. فهو باق على علاقات دبلوماسية مع «العدو الإسرائيلي»، ولا يطالبه أحد من جماعة الإخوان المسلمين وأنصار محمد مرسي بقطع العلاقات معها ووقف الاتفاقيات الثنائية وتبادل الخبرات العسكرية بينهما، ولا أغلق الحانات ومنع بيع الخمور ومنع الشواطئ وغير ذلك من التحفظات الطبيعية التي تقال وتردد على السياسات التركية والتشريعات المخالفة للشرع. ولكن إردوغان يستمد شرعيته من المنظومة المدنية التي يحكم بها، والتي هي نتاج وتطور طبيعي للمنظومة التي أسسها كمال أتاتورك لترسية الحكم المدني المعتدل، وإردوغان كان ولا يزال أحد مخرجات هذه المنظومة التي صنعت وهذبت «آيديولوجيات» كل الأحزاب وكل الشخصيات السياسية داخل الإطار الوطني للدول، وعدم الخروج منه ولا عنه بشكل شاذ وخطير. وهو الذي جعل إردوغان يتطور من خطابه السياسي بشكل مقنع وناجح بحق الأكراد والأرمن والعلويين وجعلهم مواطنين من الدرجة الأولى بشكل فعلي وليس فقط بأسلوب تنظيري محدود وعقيم. وهو الذي طور من حقوق المرأة وحسن من المشاركة السياسية لشرائح كبيرة من المجتمع لم تكن تقليديا من الفئات التي يعول عليها للانخراط في العملية السياسية.

التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي التي أتت بالشرعية لرجب طيب إردوغان وليس أي شيء آخر. وخطاب إردوغان السياسي الموجه لمصر وفلسطين لا علاقة له أبدا بالنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الداخل التركي وذلك بشهادة الأتراك أنفسهم.

يعلم رجب طيب إردوغان وأنصاره أنه رئيس الأتراك القادم لأنه نال ثقة الأتراك خارج المدن الرئيسة؛ الأتراك الموجودين في المدن الصغيرة والقرى، وهم الذين يشكلون الثقل الأهم والأكبر لأنهم استشعروا مزايا «التنمية» وانعكس ذلك على تحسن مستوى المعيشة وتطور مفهوم الكرامة، وبالتالي ومن هناك كانت الشعبية، ومن هنا بالتالي جاءت الشعبية، ومن ثم جاءت الشرعية. أي نظرة أخرى لتحليل مكانة إردوغان وتفسير نجاحه سيكون استمرارا لغسيل الدماغ الآيديولوجي المعتاد الذي يوزع الديباجات والشعارات والتبريرات والتفسيرات للدفاع المستميت عن موقفه السياسي وتوظيف كل الأحداث لصالح هذا الدفاع.

رجب طيب إردوغان هو نتاج تراكمي لكم كبير من العوامل التي أنجزها هو شخصيا والتي حصدها من نظام أفرز سلسلة مهمة من التشريعات تحمي الدولة من الانفلات والتطرف والسياسات الهدامة التي تتحكم فيها سياسات الأنا أو سياسات الجماعة بأي شكل من الأشكال. ومن المطلوب التفرقة المهمة بين المفهومين.