الصبر والكهربا

TT

الانقطاع الدائم والمفاجئ للكهرباء لمرات عديدة يوميا أسلمني لحالة إجهاد عصبي، تصاحبها حالة اكتئاب شديدة. نوبات الانقطاع هذه أصبحت أشبه بضربات القدر، وأسوأ ما فيها هو الصراخ المفاجئ لأطفال البيت عندما يتوقف بهم المصعد. كان لا بد في نهاية الأمر من التفكير في شراء مولد كهربي يسعفني في لحظات الإظلام، وبعد تحريات سريعة اشتريت مولدا تم وضعه في بلكونة الشقة.

شعرت بأن حالتي العصبية تحسنت قليلا عندما انتهى العمال من تركيب المولد، ثم بدأت مرحلة تدريب أهل البيت على التعامل مع هذا الضيف صاحب الصوت المزعج. التجارب في مثل هذه الحالات غير مطمئنة تماما، لا بد أن تنقطع الكهرباء فعلا لأعرف مدى صلاحية المولد، لا بأس.. ستنقطع حالا، لكن ذلك لم يحدث. بدأت أشعر بالتوتر، من المستحيل أن أتأكد أن هذا المولد يعمل بكفاءة بغير تجربة عملية. سهرت طوال الليل حتى لا تفوتني لحظة انقطاع الكهرباء، لكنها لم تنقطع فنمت من فرط الإجهاد. وفي الصباح لم تنقطع. انتظرت لبعد العصر واتصلت بمدير شركة الكهرباء فحولوني على مسؤول القطع وسألته: «معاك الكاتب فلان الفلاني.. هل تعرفني حضرتك؟».

أجاب بجفاء: «آسف ما اتشرفتش بمعرفة حضرتك قبل كده.. في الغالب أنت من كتاب ما قبل الثورة.. اتفضل تحت أمرك».

قلت: «لا أبدا، أنا بس كنت عاوز أسأل سعادتك، هي الكهربا ما اتقطعتش ليه إمبارح والنهارده.. خير لعله خير؟».

أجاب بغضب: «هل تسخر منا يا أستاذ.. ألا يكفيك ما نحن فيه؟.. البلد تحاصره المؤامرات من كل جانب، ونحن نعمل ليل نهار لتوفير كمية من الكهرباء لكل مواطن.. ومع ذلك يأتي مواطن يقول عن نفسه إنه يعمل كاتبا ليسخر منا».

قلت له بلطف: «آسف.. حضرتك فهمتني غلط، والله هدفي لم يكن السخرية منكم.. أنا فقط خشيت أن يكون قد حدث لكم مكروه تسبب في عدم قيامكم بعملكم.. صدقني أنا أتساءل ببراءة لأسباب تخصني».

ارتفع مستوى غضبه: «حاضر يا سيدي.. هنقطعها عنك وعن اللي خلفوك». انتظرت أن يفي الرجل بوعده، ولكن يبدو أن أمورا شغلته عن الوفاء بوعده لي. أو ربما قطع الكهرباء عن اللي خلفوني فقط، واكتفى بذلك. هل تصدق أنني بدأت أشعر بأنني لم أتمتع بما فيه الكفاية بمرحلة انقطاع الكهرباء؟! في الحياة عدد لا حصر له من المنغصات، علينا أن نستمتع بها في وقتها حتى لا نشعر بالندم بعد ذلك. غير أن الحياة علمتني أيضا أن أتمسك بالصبر ولا أفقد الأمل مهما طال الوقت، لا بد أن تأتي تلك اللحظة التي تنقطع فيها الكهرباء فأقوم بتشغيل المولد الراقد في البلكونة. الحمد لله.. انقطعت الكهرباء عند كتابة هذه الجملة من المقال. لقد صدق الرجل في وعده.. الحمد لله.. آسف.. أنا عاجز عن كتابة بقية المقال.

[email protected]