الأطباء «الكاوبوي» ونصف تريليون من الدولارات

TT

أعاد البروفسور جوناثن سكينر إثارة موضوع ارتفاع التكاليف المادية للخدمات الصحية تحت تأثيرات اختلاف سلوكيات الأطباء في نوعية الرعاية التي يُمارسون تقديمها للمرضى. وعرض بداية هذا الشهر ضمن محاضرته في جامعة تكساس أجزاء من دراسته السابقة التي نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية NBER في أغسطس (آب) من العام الماضي بعنوان «اعتقادات الطبيب ورغبات المريض». وكان الباحثون في مقدمة الدراسة قد قالوا: «هناك جدل كبير حول أسباب الاختلافات الإقليمية في نفقات الرعاية الصحية، وقمنا بإجراء دراسة استقصائية حول ما إذا كانت جوانب طلبات المريض أو جوانب عروض الطبيب بإمكانها تفسير هذا التفاوت في كميات الإنفاق المالي لتقديم الرعاية الصحية. ووجدنا أن اعتقادات الطبيب حول الكيفية التي تجب بها معالجة المريض، والتي بالذات لا توجد أدلة علمية تدعم صواب العلاج بها، هي السبب في زيادة التكلفة المادية لمعالجة حالات نهاية الحياة بنسبة 36 في المائة، وهي أيضا بالعموم السبب في زيادة التكلفة المادية للرعاية الصحية في الولايات المتحدة بنسبة 17 في المائة. وشمل الباحثون في دراستهم 64 مستشفى مرجعي تُحال إليه حالات المرضى من مستشفيات أخرى بالولايات المتحدة.

وأشار الباحثون ضمن دراستهم إلى أن في معالجات الحالات المستعصية والمتقدمة للمرضى كبار السن، جرت المقارنة بين إجراء تدخلات علاجية متقدمة ومُحتملة الفائدة وبين العناية اللطيفة والمريحة لنهايات الحياة، وخصوصا في حالات أمراض القلب، وعرض الباحثون نتائج استقصائهم آراء الأطباء حول كيفية إدارة عملية المعالجة، وجرى تصنيف الأطباء وفق إجاباتهم إلى نوعين، نوع يُصر على تقديم رعاية علاجية متقدمة ومُركّزة وإجراءات تدخلية invasive procedures تتخطى حدود الإرشادات الطبية التي توصي بها الهيئات الطبية ونوع يُقدم العناية العلاجية المُلطّفة التي تُخفف من معاناة المرضى، وأطلقوا اسم «أطباء الكاوبوي» cowboys على النوع الأول و«أطباء الراحة» على النوع الثاني comforters.

وقال البروفسور سكينر: «كلنا لدينا مشكلة مع أطباء الكاوبوي الذين يعتقدون ضرورة تقديم معالجات غير مدعومة بالأدلة العلمية». وأضاف: «أطباء الكاوبوي طوروا لأنفسهم طرقا في المعالجة غير مدعومة بالأدلة العلمية، ويُجيبون على الاستفسارات حول هذه الطرق بأنهم استخدموها وأعطت نتائج جيدة مع مرضاهم، وهو ما يُثير الاهتمام حول تخطيهم للإرشادات والتوصيات الطبية المهنية ولا توجد أدلة على أن ما يفعلونه سيُفيد مرضاهم بخلاف الأطباء الذين يتبنون نهج المعالجة الطبية وفق ما هو ثابت الجدوى علمياً ويتركون ممارسة أي وسيلة علاجية لم تثبت جدواها».

ولاحظ الباحثون أن في المناطق التي ترتفع فيه نسبة أطباء الكاوبوي ترتفع تلقائياً التكلفة المادية لتقديم الرعاية الطبية لحالات نهاية الحياة المصاب فيها المرضى بأمراض مستعصية ومتقدمة في التغلغل بأجسام المرضى. وأشار البروفسور سكينر إلى أن ذلك يعني بلغة الأرقام نحو نصف تريليون دولار!

والمقارنة هنا ليست بين فائدة يجنيها المرضى نتيجة للاهتمام «الزائد» بإجراء جراحات أو علاجات تدخلية محفوفة بالمخاطر وبين تقديم رعاية طبية غير متقدمة، بل بين تقديم رعاية طبية متطورة ومتزنة ومدعومة بأدلة علمية وبين تعريض المرضى لتدخلات علاجية غير ثابتة الجدوى مع ما يُرفق إجراؤها من مخاطر صحية واستنزاف لقدرات المستشفيات وجهود العاملين فيها، وهي أيضا مقارنة بين تقديم رعاية طبية يستطيع الطبيب أن يعد بها المريض تحقيق نتائج إيجابية مفيدة ومتوقعة في الغالب وبين مغامرات علاجية يستكشفها الطبيب أو يكتسب بها مزيداً من الخبرة ولا يستطيع أن يُقدم معها أي أدلة تدعم احتمالات استفادة المريض منها. وكثيرة هي الحالات المتقدمة مرضياً أو الحالات التي يتراكم لدى المريض فيها أمراض أخرى تكون بالنسبة للطبيب معوقات تحول بين تقديم علاجات متقدمة له.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]