التقنية ونحن!

TT

أكتب هذه الكلمات بقلمي وعلى ورق مسطر، كما هو الحال دائما، وأنا لا أزال مؤمنا بسلاسة انسياب أحرف الحبر على بياض الورق، وهو الذي جعلني أجمع الأقلام بكل أنواعها منذ فترة طويلة من الزمن، وذلك كهواية محببة للغاية إلى نفسي، ولكنني كنت أقرأ مقابلة لأحد مديري أهم شركات إنتاج الأقلام العالمية وهو يقول إن الشركة ستقوم بتقليص إنتاج الأقلام بالتدريج لأن استخدام القلم يقل جدا لصالح أجهزة الهواتف الجوالة وأجهزة الحاسب الآلي بأشكالها، وكذلك الألواح الذكية.

وتذكرت فورا حال مصنعي الكاميرات ومدى انخفاض حجم مبيعاتهم، وذلك بسبب استخدام الناس الكاميرات الموجودة ضمن أجهزة الهواتف الجوالة الذكية، وهو الأمر الذي أدى إلى إفلاس أكثر من شركة مصنعة للكاميرات أو دمج الكثير منها في بعض.

ونفس الشيء من الممكن أن يقال على مصنعي الساعات الذين شهدت مبيعاتهم حالات هبوط حادة جدا، وأيضا بسبب لجوء الناس لمعرفة الوقت من خلال شاشات الهواتف الجوالة الذكية، وتحول دور الساعة على معصم اليد بمثابة أداة للأناقة والفخامة، وليس لأجل معرفة الوقت.

التقنية الحديثة تأتي بالتدريج على صناعات عريقة وتغير من أدوارها. التقنية الحديثة لم تتوقف عند القضاء على منتجات بعينها، ولكنها قضت أيضا على مهن قديمة مثل الصراف بالبنوك الذي رحل واندثر مع نمو الصيرفة الإلكترونية بشكل كبير، وكذلك الحال بالنسبة لوكيل السياحة والسفر الذي انقرض مع تطور استخدام السياحة والحجوزات بكل أنواعها وأشكالها عن طريق شبكة الإنترنت العنكبوتية، حتى المهن الخاصة مثل المخلّص أو المعقّب لم يعد له داعٍ ولا احتياج مع التطور الهائل في فعالية أداء الحكومة الإلكترونية وارتفاع كفاءتها، وبالتالي تحسن ثقة الناس فيها.

التقنية كلما زادت فعاليتها وتحسن أداؤها تجعل الوسطاء يمتنعون، وبالتالي تسد وتحارب الطرق أمام الفساد والمفسدين بشكل مهم. التقنية ستستمر في التطور وسنرى الطبيب الآلي، وخصوصا الجراح الذي ستتم فيه برمجة العمليات الجراحية للمريض بشكل مسبق ويبقى الجهد المطلوب هو الجهد الرقابي فقط.

الصناعة بمختلف أشكالها تتحول بالتدريج إلى الصيانة الذكية الاستباقية، وعليه ستتغير تماما أدوار السباك والكهربائي، وغيرهما من المهنيين التقليديين.

التقنية ستقلص أعداد الموظفين في المصانع، وذلك لأنها ستطور الإنسان الآلي المستخدم في الصناعات، وبالتالي سيكون هذا الأمر تحديا هائلا ومتعاظما أمام وزارات العمل حول العالم التي لديها دوما قناعة راسخة لا تتزعزع بأن الصناعة هي الموظف الأكبر لأرتال العاطلين عن العمل، وبالتالي كلما زادت أعداد المصانع زادت أعداد الموظفين، وهذه حسبة ونظرة قديمة جدا لم يعد من الممكن الاعتداد بها اليوم أبدا.

التقنية تغير من طبيعة الطهي والصحافة والإعلام والتعليم.. قطاعات بأكملها كانت تعتمد على الحس البشري، بات الجانب الآلي والمتقدم يعوض ذلك بمهارة وكفاءة. حتى القطاع الأمني نرى التطور اللافت للتقنية يؤثر على الوظائف الأمنية في الرقابة والملاحقة والتدقيق بشكل باتت فيه التقنية هي أساس قيادة صناعة القرار بشكل عظيم.

التقنية تحولت مع الوقت من عنصر مساعد إلى عنصر مؤثر، ومع الوقت ستكون عنصرا قياديا أساسيا، فيكون الاستغناء عنها مسألة لا يمكن أن توصف إلا بالمهمة الشاقة جدا أو المستحيلة.

مع متابعة ما تحمله الأيام المقبلة من اختراعات تقنية تجعل ما كنا نراه ونسمع عنه في كتب وأفلام الخيال العلمي واقعا هي مسألة تحمل في طياتها قدرا كبيرا من الراحة المتوقعة لما سينعكس على تحسين مستويات الراحة والمعيشة، ولكنها ستكون بمثابة انقلاب اجتماعي واقتصادي جديد في الطريق سيقلب المجتمعات ويغيرها تماما.