خراب يا دنيا.. عمار يا دماغي

TT

في معركتنا مع التطرف الإرهابي، من المحتم أن نكون على وعي بآليات التفكير عند المتطرف الناعم والمتطرف الدموي قاطع الرؤوس ومطلق الرصاص على رؤوس الناس. من الطبيعي أن تهتم أجهزة الأمن والمعلومات بجمع المعلومات عن تحركاتهم وجرائمهم والصلات القائمة والمحتملة بين تشكيلاتهم وغير ذلك من عشرات الأنشطة الفنية الأمنية التي يعرفها المحترفون. هذا هو الجزء من المعركة الذي يدور على الأرض، غير أن هناك جزءا آخر نظريا بحتا تقوم به مراكز الأبحاث وبعض المتخصصين الذين يهتمون بشكل خاص برصد تحركات وتحالفات ونشاطات هذه الجماعات.

كل هذه الأنشطة أساسية وضرورية بالطبع، غير أني أدعو إلى فتح جبهة أخرى تكون بمثابة مراكز إمداد وتموين لخطوط القتال الأول، هذه الجبهة تسمى «حتمية فهم آليات التفكير في العقل المتطرف» إنني أوجه الدعوى لأطباء النفس المعالجين، ولأساتذة علم النفس السياسي والاجتماعي وكل من هو مهتم بهذه الظاهرة من المثقفين والكتاب، أن يعملوا في هذا الحقل للخروج بخريطة واضحة لعقل المتطرف تجعلنا على وعي بكل ما يفكر فيه ويطمح إليه ومتى يتوقف ومتى يسير في غيه. إلى أن يحدث ذلك، فأنا مستمر في طريقتي في فهم آليات التفكير عند المتطرف، وللعلم الآليات واحدة عند المتطرف الديني من «داعش» والمتطرف العلماني من الخمير الحمر. أهم مرجعية أعتمد عليها، هي ما قاله الأجداد في حواديتهم أو في مصطلحاتهم أو في أمثلتهم الشعبية. واليوم جئتك بمصطلح شعبي مهم للغاية هو «خراب يا دنيا.. عمار يا دماغي» هو مصطلح خصصوه لوصف سلوك بعض الناس. في عبقرية نادرة وفى أربع كلمات فقط، نعرف أن هناك بعض الناس يفضلون أن يستولي الخراب على الدنيا كلها في مقابل أن تكون عقولهم عامرة بأفكار هي ذاتها من تسبب في صنع هذا الخراب. هناك أيضا مصطلح معاصر هو «اشترِ دماغك» هذا هو بالضبط ما نفعله نحن عندما نريد الابتعاد عن المشكلات، وعندما لا نريد أن نخرب شيئا، أما المتطرف، فهو يشتري عمار دماغه من بائع معتمد لديه في سوق الإرهاب اسمه الخراب.

سؤال: لا بد أن له أهلا في هذا العالم أصدقاء وأقارب.. هل سيسمح للخراب بأن يشملهم برعايته، هل سيسمح للخراب بالقضاء على حاضرهم ومستقبلهم؟

الإجابة: سؤال مهم يدل على أنك لم تفهم شيئا مما أقول، آليات التفكير في عقله طبقا لمقولة الأجداد تتحرك بين قطبين فقط، الأول هو خراب الدنيا والثاني هو عمار عقله ولا ثالث هما.. ليحل الخراب على الدنيا كلها، ولكن عليه أن يحافظ فقط على عقله عامرا بأفكاره المتطرفة القاتلة المجنونة.

البشر جميعا في كوم، وهو وحده، مع زملائه بالطبع في كوم آخر.

تقصد أنه لا يتألم لقتل أهله وناسه بالآلاف، وتدمير بيوتهم وبتر أعضائهم وموتهم لعدم وجود علاج؟ نعم.. ولا بهللة.. ولا بفلس.. ولا بمليم.. ولا بسنت.. إن كل ما يعنيه في هذه الدنيا هو أن يحولها إلى خرابة تنعق فيها الغربان إلى أن يجد وسيلة يقتل فيها هذه الغربان.