أوروبا في معضلة

TT

تعاني أوروبا أزمة، حيث تقف بين واجبها الجيوسياسي الذي يجبرها على فرض عقوبات اقتصادية كبيرة ضد روسيا، والتزامها المحلي بمواجهة انخفاض معدل التضخم وركود النشاط الاقتصادي. لا بد أن تنفيذ الواجب الأول سوف يمارس ضغوطا ترفع من قيمة اليورو، في حين يتطلب الالتزام الثاني انخفاض قيمة اليورو.

في الوقت ذاته، يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تؤدي الصعوبات الاقتصادية الداخلية الراهنة في أوروبا إلى تراجعها عن فرض العقوبات.

هناك سبيل للخروج من الأزمة التي تقع فيها أوروبا، ولكنه يتطلب التعاون الكامل من أميركا. سيؤدي القيام بتدخل مشترك في العملة من أجل تخفيض قيمة اليورو إلى مساعدة أوروبا على التعامل مع انخفاض معدل التضخم وبطء النمو، وفي الوقت ذاته، سيزيد من مصداقية العقوبات بتحييد تأثيرها على أوروبا.

ومن المؤكد أن مشاهدة تعاون أوروبا وأميركا في مبادرة تتعلق بسياسات كبرى ستكسر غطرسة بوتين، الذي يرغب في التفريق بين أوروبا وأميركا، سعيا إلى تنفيذ أجندته التوسعية.

ولكن هل ستتعاون أميركا؟ حتى الآن، طلبت وزارة الخزانة الأميركية من أوروبا تنفيذ سياسات التيسير الكمي أولا، ثم بعد ذلك يمكنهم مناقشة الأمر.

الأزمة في أوكرانيا منحت نفوذا جديدا لأوروبا. ربما يجب التوسع في فرض العقوبات المشتركة القائمة أو تشديدها؛ ويجب أن تتعاون أوروبا في تنفيذ أي تغييرات.

إلى جانب ذلك، ترتبط قيمة اليورو المرتفعة الحالية، بالسياسات النقدية الفضفاضة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

إذا أرادت أميركا أن تساعدها أوروبا على مواجهة السياسات الروسية التوسعية، يجب أن تكون على استعداد للدفع مقابل تلك المساعدة برفع سعر الدولار. ألغت ألمانيا تصريحا لشركة رينميتال إيه جي للتكنولوجيا بإقامة مركز تدريب عسكري روسي. وكان لهذا القرار تكلفة تكبدتها ألمانيا وحدها. كذلك تريد الولايات المتحدة من فرنسا أن تحذو حذوها وتلغي صفقتها لبيع سفن ميسترال الحربية إلى روسيا. وهذا قرار سيكون له تكلفة على فرنسا. ألا يجب على أميركا أن تقوم بواجبها بالتعاون في تدخل مشترك؟

من منظور السياسات النقدية، كلما شددت أميركا سياساتها لدعم عملتها، انخفضت الحاجة إلى تدخل الاحتياطي الفيدرالي في وقت لاحق برفع أسعار الفائدة.

وبالطبع، ليست أميركا الطرف الوحيد الذي يجب أن يوقع على التدخل المشترك، بل يجب أيضا أن توافق ألمانيا، وهناك تساؤلات حقيقية حول ما إذا كان وزير المالية الألماني فولفغانغ شيوبله سيرغب في ذلك. وفيما يتعلق بالاقتصاد الألماني، لا يعد اليورو عملة مبالغا في قيمتها.

في تقديري، سوف يوافق وزير المالية الألماني على أي حال؛ أولا لأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لا ترغب في أن تتراجع أوروبا عن فرض العقوبات، وثانيا لأن ألمانيا لا تريد أن تسقط أوروبا في حالة من الركود التي ربما تنذر بنهاية معاهدة الاستقرار.

ويبدو أن أوروبا لديها حساسية تجاه سياسات التيسير الكمي، حتى إن العاملين في المصرف المركزي الأوروبي الذين يدركون أن هذه السياسات سوف تواجه استمرار انخفاض معدلات التضخم لا يبدون حماسا كبيرا لها؛ فهم لا يثقون بأنها سوف تخفض من قيمة اليورو.

يقف اليورو مرتفع القيمة حجر عثرة أمام تعافي أوروبا الاقتصادي، وقدرتها على تثبيط أجندة روسيا التوسعية. وتملك أميركا مصلحة واضحة في ضمان عدم وقوع أوروبا في الركود أو التراجع عن فرض العقوبات؛ لذا يظل التدخل المشترك من أجل تخفيض قيمة اليورو هو الاستراتيجية المناسبة لكلا الطرفين.

* بالاتفاق مغ «بلومبيرغ»