هل للبشر كوكب بديل عن الأرض؟

TT

هل هناك ما يهدد البشرية اليوم بأقوى من أسلحة الدمار الشامل والحرب العالمية الثالثة المجزأة التي نعيشها، والإرهاب الأسود الذي بات يتفشى كما الوباء حول العالم؟

ربما تكون هناك بالفعل خلف الباب معركة رابضة تتشوق لإفناء البشرية، معركة المناخ، والتغيرات المناخية، والتي قد تجعل من الأرض قولا وفعلا كوكبا غير قابل للبشر خلال ثلاثة عقود، كما تشير آخر الدراسات العلمية.

«ليست هناك خطة بديلة لأنه ليس لدينا كوكب آخر»، هكذا تحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، خلال قمة المناخ التي جرت على هامش أعمال الجمعية العامة التاسعة والستين للأمم المتحدة، مؤكدا أن تغير المناخ هو القضية الحاسمة في عصرنا، وأنه ليس هناك وقت لنضيعه.

قبل القمة الأخيرة بأيام قلائل، توصلت دراستان حديثتان إلى أن معدلات الاحتباس الحراري على الكرة الأرضية ستصل خلال الأعوام الثلاثين المقبلة إلى نسب حرجة، إذا ما استمر انبعاث الغازات المسببة للاحتباس بنسب كبيرة، كما هو الحال حاليا، وتم نشر هاتين الدراستين في الدوريتين العلميتين «نيتشر جيوساينس» و«نيتشر كلايمت تشينج»، الأمر الذي يدعو البشرية برمتها للوقوف أمام علامة استفهام جدية وجوهرية: كيف يمكننا الارتقاء والإسراع بالتغير التحولي المطلوب لمواجهة تغير المناخ؟

ربما لا تتضح أهمية هذا السؤال إلا إذا عرفنا كيف يمكن أن تمضي أحوال الأرض إذا استمر الإنسان في اعتداءاته المتواصلة على البيئة ولم يسارع إلى تصحيح الأخطاء التي تذهب بأحوال المناخ مذاهب التهلكة.

خذ إليك ما رسمه عالم المستقبليات الأميركي جيمس كانتون بشأن ما أطلق عليه «سيناريو المناخ» الأقصى عام 2040. يبدأ الأمر بحالة جفاف غير مسبوقة تضرب القارة الأفريقية، ثم تندفع إلى أوروبا، وعبرها إلى أميركا الجنوبية وأجزاء من أميركا الشمالية، الأمر الذي يخفض الإنتاج الزراعي بأكثر من 50 في المائة تاركا سكان العالم يصارعون المجاعة.

المشهد هنا ليس جغرافيًا أو مناخيًا فحسب، لكنه سياسي وأمني بامتياز، فالجفاف حكمًا سيؤدي إلى تحركات ديموغرافية ستهدد بانهيار حالة الأمن العالمي والإقليمي بشكل جذري، فارتفاع حرارة الكرة الأرضية من جراء «الاحتباس الحراري» سيؤدي إلى تسارع ذوبان الأنهار الجليدية في القمة القطبية مسببا فيضانات عارمة حول الكرة الأرضية. ومع تغير منظر الجغرافيا السياسية من المؤكد ستنشأ دول جديدة بحدود جديدة، وينتقل ميزان القوة إلى الدول التي تكيفت بسرعة أكبر مع التغيرات المناخية الجديدة.

أين موقع وموضع العالم العربي من هذا الخطر الداهم؟

الشاهد أن المناخ الجاف الذي يغطي معظم مساحة العالم العربي أدى إلى وجود العديد من الأنظمة البيئية الإيكولوجية الهشة والحساسة، وقد بقيت هذه الأنظمة رغم ذلك في توازن حرج مع الظروف القائمة عبر التاريخ الطويل، حيث كان عدد السكان قليلا ونشاطهم محدودا، وإمكانياتهم التكنولوجية بسيطة. وحينما زاد عدد السكان وزادت إمكانياتهم التكنولوجية واتسع مجال نشاطهم وزاد معدل استغلالهم للموارد الطبيعية، فقد أدى كل ذلك متضافرا مع سوء الإدارة إلى الإخلال بالأنظمة الإيكولوجية وتوازنها، مما هيأ الفرصة للآثار السلبية للعوامل المناخية مثل تصحر معظم أنحاء العالم العربي.

على عاتق من يقع التأثير السلبي الأكبر على مناخ العالم؟ قطعا على الدول الصناعية الكبرى، وجميعها ترفض في واقع الحال أن تتحمل نصيبا عادلا في مساعدة الدول النامية لمواجهة أعباء التغيرات المناخية.

على سبيل المثال، تبقى الولايات المتحدة مصرة على موقفها الرافض للانضمام إلى اتفاقية «كيوتو»، ومن ثم فإن البروتوكول لن يكون فاعلا بما فيه الكفاية، حتى وإن دخل حيز التنفيذ، فالولايات المتحدة التي يبلغ عدد سكانها 4 في المائة من مجموع سكان العالم، تستهلك نحو 25 في المائة من الطاقة المستخدمة في العالم.. هل ستوفر الأضرار المناخية واشنطن؟

بالقطع لا، ففي عام 2003 أكد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على أن ارتفاع درجة حرارة الأرض قد يشكل أحد أخطر التحديات على الولايات المتحدة، لكن صيحة التحذير هذه لم تلق آذانا صاغية في البيت الأبيض.

هل من طرق جهنمية أخرى يتدخل بها الإنسان في مسار الطبيعة ليسخرها لإرادته؟ الأمر يحتاج إلى حديث مطول قائم بذاته، لكن نلفت النظر في عجالة إلى البرامج فائقة السرية التي تمتلكها الولايات المتحدة في هذا السياق، ومنها مشروع «هيرمس» القادر على توليد ذبذبات كهرومغناطيسية قوية تؤثر على الطبقات الجيولوجية العميقة، في البر والبحر. وقد مر هذا المشروع بعدة مراحل؛ ففي عام 1974 بدأت الخطوة الأولى منه في قاعدة كيرك لاند الجوية في ولاية ألاسكا، وكان الهدف بث موجات كهرومغناطيسية قوية إلى باطن الأرض لإحداث زلازل صناعية أو توجيه تلك الموجات نحو السماء لإحداث اضطرابات جوية تلحق خسائر فادحة بالعدو.

هل إنقاذ الأرض أمر مستحيل؟ حتما لا، فهناك آلاف الأمثلة عن مجتمعات ومدن وأعمال تجارية، وحكومات في جميع أنحاء العالم يعملون جميعا بجد وإخلاص لتخفيض مستوى الكربون حول العالم، لكن تأثير هؤلاء يضيع في زحام سباق الآخرين من الكبار المتطلعين للهيمنة على المقدرات العالمية صناعيا، وعسكريا، وماليا، ناسين أو متناسين أنهم بآلياتهم البراغماتية، وتجارب أسلحتهم السرية، يدمرون كوكبا لا يوجد للبشر بمن فيهم هم أنفسهم بديل له حتى الساعة، ولا يظن المرء أن يكون له بديل إلى قيام الساعة.